ذكرى عيد الجلاء في سورية وألمي في تلك الذكرى
د.عبد الغني حمد و
قبل ثلاثين سنة في مثل هذا اليوم , يوم حزين وخوف وقلق يوم لم تشهد عائلتي مثله أبدا
في مثل هذا اليوم قتلت شقيقتي, فيها القوة والعزيمة والخير والعطاء , رحمها الله وأسكنها فسيح جناته
واعتقل أبي رحمه الله ليفقد في السجن بعد سنتين ولم يعد أبدا
وفي مثل هذا اليوم اعتقل شقيقي وأمضى إثنا عشرة سنة في السجن
وفي مثل هذا اليوم كنت رهن الإعتقال في لحظة كنت فيها سريعا وأفلت منه
والأم تبكي وما زالت تبكي
وأنا أطوف حول بلد ي منذ يوم ذكرى الجلاء , وحاولت دخوله من جميع النقاط القانونية وغير القانونية , وفشل كل محاولاتي الولوج لبلدي الحبيب
قبل سبع سنوات قلت في نفسي لابد من وضع غرسي في بلدي
وكانت عائلتي بناتي وأولادي وزوجتي العزيزه
كان استقبالهم رائعا وغرسوا أقدامهم في البلد العزيز
من سمو الحب لغرسي عند النظام , تمسك بهم للأبد فموقعكم هنا وبلدكم هنا
واتركوا ذاك المشرد يعيش تشرده القديم
في ذكرى يوم الجلاء قبل ثلاثين سنة جلوت عن سورية لألحق بالفرنسيين
جلوت قسرا وقهرا
جلوت عنها لحبي لها ومن حبي لها هربت عنها لبعيد
لكي لاتكون في نفسي كرها لها , ولو بقيت فيها لكرهتها حتما من عذاب القيد والجلاد والسجن المديد , إن كنت قد بقيت حيا فيها
ولكنني لك مشتاق ياوطني
ولكنني رجل في قلبه الجبال والبحر المتوسط وعيون دمشق وبردى , وشجر الصفصاف فيها , وحب الحصيد
هل يكفيك بعدك عني يابلدي صدقني فشوقي إليك شوق الصحراء لحبات من مطر في شهر تموز وآب , وشوق الطفل الرضيع لثديي أمه بعد حرمان طويل
من يسمع صوتنا ؟
ومن يحس بشوقنا
ومن يعرف مقدار عذابنا
قالوا إذهب لحكيم أو طبيب
ذهبنا لحكيم عيون أولا , لأن النظر عندنا قل كثيرا من الدموع والشوق والحنين
قالوا العيادة مقفلة
قالوا العلاج لكم حوله خط أحمرا ,وبعده سد من فولاذ وقوانين ثم قوانين
يقول بعض العقلاء
يأمل بعض الناس
يناشد بعض الخيرين
يضحك بعض الناس
يشمت الآخر
ولكن لما كل هذا ؟
لم يكن علاجنا وعلاج أمراضنا مستعصيا
فلا سرطان ولا إيدز ولا حتى انفلونزا الخنازير
حلها بسيط جدا
حلها سهل وبسهولته هذا يكون في قوته لوطني منقطع النظير
هل ذكرى الجلاء تولد عند من بيده حلها
صحوة للعقل والضمير
أن هؤلاء هم أبناء وأحفاد من كان لهم العزم والقوة في دحر فرنسا وسببا للإحتفال بهذا العيد
ربما يعوها هذه المرة من تلقاء أنفسهم
ربما يكون فيها بعدا للتعبير عن القوة , بيد الوطن المهدد من القريب والبعيد
ربما يكون العقل راجحا , وقوة الرجال متعاضدة , وليست كل يد لوحدها من البرودة قد تجمدت ,ومن الحر يبست يباس الحديد