الباب المغلق
قصة قصيرة
إرتفع رنين الجرس فى فضاء الردهة..هب مفيد من مرقده ..إتجه نحو الباب وهو يتساءل عمن سمح لنفسه بالمجىء الآن ..رمى بعينه يميناً ..حجرة الأولاد مغلقة حيث يخلعون ملابس المدرسة ، ويرتبون أشياءهم إنتظاراً لتناول الطعام ثم المذاكرة ..إتجه بعينه الى أقصى اليسار حيث المطبخ ، وسناءالتى تدور فى أرجاءه دون توقف ، تسابق اللحظات لتجهيز الطعام ..أكمل السير سريعاً ..خطوات معدودة هى ، يرى بعدها ذلك الذى أخذه من رقدته وجريدة اليوم التى كان يتصفحها ..فتح الباب ..صرخ من الفرح والدهشة معاً :-
- حنان !!
وشدها من يدها ..أطلت سناء من فرجة باب المطبخ ..إنقلب تقلص ملامحها الى ترحيب وانبساط ..تلقتها بالقبلات وهى تسأل نفسها عن سر هذه الزيارة التى لم تكن فى الحسبان ، فمنذ زمن ٍ ليس بالقليل لم تفكر فى زيارتهم ، هم أيضا ً لم يزوروها ، وأكتفى الطرفان بمحادثات هاتفية من وقت لآخر، وزيارات فى الأعياد للمجاملة ، أما فى الأيام العاديةوفى وقت العصر مثل الآن فالأمر يحتاج الى تفسير .
إستأذنت سناء فى العودة الى الطبخ ..أكدت عليها أن تجلس الى أخيها قليلاً حتى تعّد الطعام ..تلّون وجه حنان ..همست أنها لاتريد طعاماً ..نظر مفيد اليها بجواره ..الوجه غزته شيخوخة مبكرة ..مؤكد من أثر المجهود الذى تبذله والتوتر المستمر فى العمل ..سناء أيضاً تترك عملها عند الظهر ..تمر على السوق ..تدخل الشقة ..تجد الأولاد سبقوها وجلسوا فى حجرتهم ينتظرون ..تدْخّل المطبخ ..يكون هو قد وقف فى طابور العيش أمام الفرن بعد إنتهاء
عمله ثم يعود للبيت.
عاد اليها بجواره ..عيناها فقدتا بريقهما القديم ..صارتا تحملان دقائق وثوانى الزمن ..تهرولان بينها بلا توقف ..بينما الشعر القديم الذى كانت تفرده خلف ظهرها كأسلاك الحرير مقيد الآن خلف منديل أبيض يدور حول الوجه فى شحوب .
منذ شهور لم يرها ..مؤكد جاءت لتراه ..هى هكذا فيضٌ من حنان ..كانت أقرب شقيقاته اليه ومازالت ..هو أيضا كان قريباً اليها ..تصرفاتها معه كانت تقول هذا، رغم أنهما فى الصغر كانا دائمى الشجار لأنهما ولدا فوق رأس بعضهما، كما كانت تقول المرحومة أمه ..همست :-
- مفيد..أريدك فى أمر هام
حدق فى عينيها ..أكملت وعيناها تبحثان عن مهرب منه ويداها تضغطان بعضهما فى حجرها :-
-أمّر وزوجى بضائقة ،ولم أجد سواك
إرتفع صوت سناء قادماً من المطبخ ..سألته أن يساعدها فى إعداد المائدة ..همس وهو يقوم :- نتناول الطعام أولا
همس صوتها ملاحقاً خطواته المبتعدة:- لم آت لآكل .
مضى الى المطبخ ..همس لسناء بما لديه وعاد ينادى الأولاد ..التفّوا حول عمتهم فى حبورٍ ، بينما هى تتابع أخاها وهو يتحرك ..صورته القادمة من الماضى شدتها ..شتان بينه وبين ماكان
بعد الطعام دعاها الى حجرته ..كانت سناء بجواره ..حادثها أمامها ..مضت الى الباب محنية الرأس فى صمت ..جلس بحجرته هادئاً يحادث سناء ..إنتبه لأمه أمامه ترميه بنظرات الحنق ..تقلصت ملامحه وضاقت عيناه ..سألته سناء عما به ..لم يرد ..هرول نحو الباب ومن أعلى السلم صرخ :-
- حنان ..تعالى