محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الثانية عشر/ ثلاث سنوات في ليبيا ( ٢ من ٣ )

(
محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الثانية عشر/ ثلاث سنوات في ليبيا ٢ من ٣

* الثوره (الشعبيه) في ليبيا عمقت الإنشقاقات في المجتمع الليبي...
* حرب رمضان عام 1973 بدأت بصوره عسكريه منسقه ولكنها إنتهت بصوره سياسيه...
* الحرب الأهليه في لبنان عام 1975 كانت حرب الكبار على أرض الصغار...

الإخوه والأخوات...
أحببت عملي كثيرآ، وكنت أفضل دائمآ حل المشاكل الفنيه في الموقع على متابعة المشاريع من المكتب. إلا أن مواضيع اللقاءات مع أصدقائنا في الإداره في أوقات الراحه كانت تدور حول الأوضاع المتوتره مع إسرائيل بصوره عامه، فالرئيس أنور السادات كان محورهذه اللقاءات نظرآ لإسلوبه التمثيلي البارع, تسمع إلى خطاباته حول الحرب مع إسرائيل وتبريراته بتأجيلها مثل قراره في شن الحرب عام 1972 إلا أن الضباب في ذلك اليوم قد منعه, أو أنه قد قرر الحرب لكن الحرب الهنديه الباكستانيه قد فاجأته فتقع في حيره في تقييم هذا الرجل الغامض, وبالرغم من هذا الغموض في شخصيته, فقد وجد من بعض زملائنا المصريين العاملين معنا من يؤيده في هذه التكتيات السياسيه.وكمثال لهذا الغموض يوم اعطى تعليماته بطرد الخبراء الروس من مصر فقد أثارت خطوته هذه ردود فعل مدوية ودهشة كبيرة في الولايات المتحدة لدرجة أن هنري كيسينجر قال لاحد مساعديه:.. لو أخبرني السادات عن قراره كنت سأشعر أننى مضطر أن أقدم له شيئا مقابل ذلك, ولكننا الان أخذنا بخطوته تلك كل شيء مقابل لا شيء (هذا ماقاله كيسينجر ولكن عودنا هذا الرجل على ان لانصدقه)إلا أن ماحصل فعلآ في يوم 6 تشرين الأول / أوكتوبر1973 {الموافق للعاشر من رمضان}وفي يوم كيبور احد أكبر واهم الاعياد الدينية الاسرائيلية، حيث يكون جميع اليهود غارقين في صلواتهم وفي الساعه الثانيه وخمس دقائق ظهرآ كان مفاجأه للشعوب العربيه, في ذلك اليوم عدت إلى البيت بعد إنقضاء عملي، وبعد وصولي بدقائق قرع علي الباب جاري المهندس جواد ليخبرني بأن الجيشين المصري والسوري قاما بهجوم منسق وفي ساعة واحده وأن الجيش السوري قد عبر الخنادق الناريه وان دباباته تتقدم بالعمق، كما أن سلاح المهندسين والقوات الخاصه قاما بتفكيك أكبر رادار في المنطقه والمنصوب في جبل الشيخ وذلك بوقت قياسي، أما القوات المصريه فقد تمكنت من فتح ثغرات في الساترالترابي والمسمى بخط بارليف وذلك على إمتداد الشاطئ الشرقي لقناة السويس مستعملين مضخات عالية الضغط لتفتيت وفتح ثغرات في الحاجز الرملي لمرور الآليات والدبابات إلى سيناء في عملية عسكريه رائعه وفريده من نوعها دللت على العبقريه العربيه العسكريه التي لاتنازع عندما تكون القياده العسكريه على مستوى المسؤوليه مؤمنه بعقيدة الأمه دون مواربة ودونما إستحياء

https://www.youtube.com/watch?v=g1mu8qyUPgM
هؤلاء هم اسرى التلموديين في بداية حرب رمضان. إنه مثال واحد على قدرتنا إن توحدنا وأخلصنا النيات وغيرنا الحكام المتواطئين ثم توكلنا على الله وخرجنا من خنادقنا مع صرخة الله اكبر ثم إنظروا بعدها إلى إنجازاتكم

.الفرحه كانت غامره حتى أننا نسينا تناول طعام الإفطارعند المغرب ونسينا جوعنا وظمأنا.كان الإسبوع الأول من الحرب جيد النتائج, وخسائر إسرائيل كانت فادحه على الجبهتين إلا أن مجريات الأحداث بدأت تأخذ اوضاعآ أخرى بعد حوالي عشرة أيام من القتال.قرأت كثيرآ عن هذه الحرب الغير محسومه باللغه الأنجليزيه والعربيه وفي مقدمتها مذكرات الفريق أول سعد الدين الشاذلي ومذكرات الفريق الجمصي.ولقد تم رصد رأيين حول تغير مجريات الحرب الأول يتحدث عن دخول مباشر للأمريكيين المعركه بجانب إسرائيل مقدمين لها كل المعلومات عن طريق الأقمار الصناعيه العسكريه مع إنزال جوي لمعدات عسكريه ثقيله في ارض المعركه وعند نقاط الضعف حول تمفصل قوات الجيشين الثاني والثالث مما حقق لهم إختراق واسع غير من سير المعركه. والرأي الثاني وصاحبه رئيس اركان الجيش المصري آنذاك الفريق أول الشاذلي حيث وجّه إتهامه للرئيس السادات بإصدار أوامره بتطوير الهجوم شرقآ وخروج القوات المصريه إلى خارج منطقة الحمايه بصواريخ سام مما أوقع خسائر كبيره في قوات الجيش الثالث الميداني، ونتيجة لهذا الخلل تمكنت القوات الإسرائيليه من عبور القناة عبر ثغره سميت ثغرة الدفرسوار بين الجيشين الثاني والثالث وتغلغلت غرب قناة السويس وتمكنت من محاصرة الجيش الثالث الميداني وكانت أول النتائج المباشرة هى تدمير 150 دبابة مصرية بكامل أطقمها في أول ثلاث ساعات من بدء التطوير وهو ما تم إعتباره ضربة موجعة للمدرعات المصرية. يبقى السؤال الكبير لماذا طور السادات الهجوم مخالفآ آراء كبار قواده وخاصة الفريق أول الشاذلي؟ هل لعبت السياسه دورها لعمل نوع من التوازن في نتيجة الحرب على طريقة لاغالب ولامغلوب ؟ وبالتالي الوصول إلى سلام مصري إسرائيلي وفق ماحصل في كامب دافيد ؟ كل شيئ معقول في حسابات السياسه. بدأت الضغوط السياسيه وتم تثبيت وقف إطلاق النار على الجبهه المصريه بعد إستفزازات كثيره من جانب إسرائيل، أما على الجبهه السوريه فقد قامت حرب إستنزاف طيلة 82 يوماً إنتهت بعد تدخل كيسينجر وزير خارجية أمريكا وكانت نتيجة هذه المداخلات إعادة مدينة القنيطره إلى سوريا على أن تكون خاليه من السلاح.
عدنا إلى حياتنا العاديه بعد إنتهاء الحرب حيث أخذ حديث السياسه يأخذ مكان حديث الحرب، آه من السياسه فقد قيل فيها الكثير ومما قيل: لايستوي على السياسة مبدأ.. إن السياسة زئبق رجراج.
أيها الإخوه والأخوات...
في يوم 14 آب/ أغسطس 1974 إحتفلنا بولادة إبننا البكر لؤي الذي ملأ علينا البيت كما يقال.. خلال هذا العام والأعوام التاليه حصلت تطورات في ليبيا فقد أشعل العقيد القذافي ثوره شعبيه جديده صنف من خلالها شعبه إلى صنفين جديدين، منتج وغير منتج, فالحلاق والمعلم الإبتدائي ومنظف البلديه ومذيع أخبار التلفزيون وغيرهم... هم من فئة الغير منتجين فعليك أن تحلق لنفسك ولأولادك وتعلمهم إن كانوا في مرحلة الدراسه الإبتدائيه وتنظف حارتك. فصارت الطرقات ممتلئه بالأوساخ وملعبآ للجرذان، وإن كنت أخي القارئ (وسيمآ) وقراءتك العربيه جيده وصادف مرورك أمام مبنى التلفزيون أثناء فترة نشرة الأخبار فإحتمال أن تكون مذيعآ لنشرة الأخبار في تلك الليله هو أمر قائم،وبذلك قسم العقيد شعبه إلى أربع أقسام رجعي وتقدمي وهي التصنيفات الروتينيه القديمه والتي تعودنا سماعها،ومنتج وغير منتج وهو إختراع جديد.
أما المؤتمرات الشعبيه فكانت البديل لرؤساء الدوائر الحكوميه فالموظفين في كل دائره عليها أن تنتخب رئيسها، وحيث أن طبقة الموظفين الأقل ثقافة وخبره هم الأكثريه في دوائر الدوله عمومآ, فكان بمقدورها أن تفرض مديرها, فكنت ترى العجب العجاب،سائق سياره المدير أو موظف صغير في الديوان هم رؤساء الإدارات الجديده وكان يصاحب هذا التصعيد الأغاني الوطنيه التي تملآ الشوارع عبر مكبرات الصوت المنتشره في الشوارع والميادين العامه.
إخوتي واخواتي كان من جملة الإختراعات الأخرى للأخ العقيد لاحقآ هي تشكيله للجان الثوريه على طريقة الرفيق ماو تستونغ والتي كانت مهمتها الرئيسيه التصفية الجسدية لكل المعارضين داخل وخارج ليبيا الأمر الذى أدى إلى عمليات اعتقالات واسعة حتى في الجامعات في مختلف انحاء البلاد. وتم قتل كل هؤلاء من بينهم أعداد كبيرة من الطلبة الجامعيين إما بالشنق أو الرمي بالرصاص في الساحات العامة والجامعات بحضور مكثف من الاعلام الليبي وإذاعة هذه المشاهد بالبث المباشر في التلفزيون الليبي لكي تكون 'عبرة لمن يعتبر'وهي تهزج بالأغاني الثوريه (الحالمه) "دوس عل رجعي والخاين واللي ماعندو مبادئ" او غاني (عاطفيه) من نوع "إسحق إسحق .. إذبح إذبح" وغيرها من تلك التي كانت تملأ ارشيف إذاعاتنا وهي بمثابة خط الدفاع الأول عن الثورات والزعامات, وفوق ذلك كتاب أخضر(غير ناضج) من تأليف العقيد يجبر الطلاب على حفظه،وبعد كل هذا وذاك نطرح على أنفسنا سؤالآ يقول: ياترى لماذا لانتقدم ونراوح في مكاننا بل نتراجع بخطوات سريعه إلى الخلف ؟؟
إخوتي واخواتي في أحد أيام شتاء 1975 كانت حافلة تنقل مجموعة من الفلسطينين المشاركين في أحد فعاليات منظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد في ذكرى إستشهاد أحد كوادر المنظمة في العاصمه اللبنانيه بيروت وفي طريق عودة الحافلة، وبالتحديد عند مرورها بمنطقة عين الرمانة ذات الأغلبية المسيحية، شاهد قائد الحافلة 3 رجال مقنعين ومدججين بالأسلحة على جانب الطريق. لم تمض لحظات ومن دون سابق إنذار حتى بدأ المسلحون بأطلاق الرصاص بإتجاه الحافلة. وكانت أول رصاصات الحرب الأهليه في لبنان... كانت هذه بمثابة لحظة إعلان مسلسل الموت الطويل. قتل أكثر من عشرين فلسطيني أعزل في هذه الحادثة... توشحت بيروت بالسواد، تلبدت السماء بالغيوم، ساد العاصمة صمت رهيب، ذلك الصمت الذي ينبئ بإعصار من الدماء... وسمع قرع طبول الحرب.
هذه الحرب كانت صراعآ بين دول كبرى ولكن بأيدي أبناء الوطن ,الإتحاد السوفيتي وحلفاءه المسلمين والفلسطينيين من جهه وبين الولايات المتحده وإسرائيل وحلفائهما من بعض المسيحيين من جهة أخرى هذه الحرب أكلت الأخضر واليابس ودامت حوالي خمسه عشر سنه, الآمها سكن في كل بيت من بيوت لبنان.
إلى متى سنظل نحن العرب آداة بيد الآخرين ؟
إخوتي واخواتي...
في نهاية عام 1975 قررت إنهاء عقدي في ليبيا والعوده إلى وطني سوريا وتأسيس مكتبي الهندسي والدخول في مجال العمل الحر ودعني مديري وأصدقائي وأثنوا علي في حفلة الوداع فقد كنت والحمد لله في موضع تقدير الجميع. وإلى اللقاء في سوريا.
مع تحياتي

[color=green] New Roman]السادات ثعلب السياسة العربية

إلتقيت به في مصر بالأسكندرية في عباءة بيضاء يقود سيارته بنفسه دون حراسة , كان يعشق أكل الأسماك في مطعم في ضاحية (( أبي قير بالإسكندرية ))
رجل بسيط ولكن بعيد الذكاء وحاد البصر , لم تصدق إسرائيل حرب الثانية ظهراً حتى الآن , كابوس يؤرق مضاجعهم , ومازالت حرب أكتوبر تدرس حتى الآن في الآكاديميات العسكرية .
وتحررت سيناء في السادس من أكتوبر1973 وفي ومضات الصدمة ذهب إلى إسرائيل ليوقع إتفاقية السلام تلك الزيارة التاريخية التي قالت له فيها ((جولدا مائير )) لم تر أحداً ضحك على اليهود أكثر منه.
وتقابلت مع أبو عمار في باريس هذا الرجل الذي عاش محاصراً بدون قطرات ماء , وهنا رحل الرجل وعاد إلى مصر في تابوت ليطوي صفحة من صفحات تاريخ القضية الفلسطينية....!!!
التاريخ يعلمنا كيف نقرأ الآخر ولا يقرأنا أحد....!!!
تحياتي وفائق إحترامي
محمد حسن كامل[/font]

» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الثالثة عشر/ ثلاث سنوات في ليبيا ( ٣ من ٣ )
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الحادية عشر / ثلاث سنوات في ليبيا ( ١ من ٣ )
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه العاشره / إنتحار الذات
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - المحطه الثامنه / طالب جامعي
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الرابعة عشر والأخيره .. الغربه من جديد