البعث// قصة للدكتور ثروت عكاشة السنوسي

البعث

أسير وأنا أحمل نعشه فوق كتفي، غير مصدِّق أنه مات.. دموعي تهطل بغزارة، والأفكار تتزاحم في مخيلتي، واريته التراب بيدي، وعدت أنتظره كي يعود إلى الحياة.. هكذا قالها لي يوما..
قليلا وينتصف الليل.. قمت ناقما.. اتجهت نحو النافذة.. راعني قط أسود.. منذ أيام وكأنه يراقبني.. هكذا يجلس على خلفيتيه وعيناه تبرقان بشده.. تنتابني حالة من الفزع فأغلق النافذة.. هذه المرة لا أشعر بالخوف يعتريني.. لكني أصر على الوقوف في وجهه..
عقلي يؤلمني بشدة، وطرقات متصلة في أمِّ راسي .. أسمع طنينا يأتي من بعيد ومواء القط المتسمر هناك يختلط بنشيج البكاء، وعدودة النسوة في الجنازة..
رعشة تعتمل بداخلي وشعر رأسي يقشعر.. صوت صديقي الميت يأتيني من هناك ويتململ في عينيّ.. سيبعث ثانية للحياة.. إذن سيأتي إلى هنا ونلتقي مجددا..
يعلو النحيب.. يصير صراخاً مختلطا بمواء القط.. ألتفت نحو الباب، أعود إلى النافذة.. يقفز القط عليَّ.. تشقني مخالبه نصفين متساويين.. ويعود للهرب عبر النافذة..
قهقهات صديقي الميت تملأ الحجرة، ورائحته تعبق المكان.. ونصفي الأيمن انتصب واقفا.. يبحث عن نصفي الآخر الملقى على الأرض..
يموء القط فرحا.. يتمطى ويهز زيله مختالا.. تمسك اليد عصاً غليظة.. ويتقافز نصفي على قدم واحدة خلفه مطاردا..
النصف الأخر اعتدل جالسا لا يقوى على الوقوف.. راح يشجع نصفي الثائر ، وكلما اقترب .. يتراجع القط ويتراجع..يضربه بالعصا.. فيسارع بالقفز بعيدا ولا يصاب.. النصف الجالس يبكي بحرقة ودماؤه تسيل بغزارة.. يشجع ويبكي..
وقع خطوات تقترب وتصعد الدرج.. وضحكات صديقي تقترب معها.. القط اللئيم يموء ويموء، يغتاظ نصفي الأول فيستمر في المطاردة ويستمر القط في الهرب متراجعا للخلف.. ونصفي الثاني ينهض متكاسلا، وما يزال يشجع، وخطوات الصديق تقترب بشدة..
الساعة تدق ونصفي المطارد يقفز خلف القط في بئر عميقة.. صرخاتي ذابت في فراغ البئر، ولم أعد أسمعها.. الساعة تدق وعدة ضحكات لصديقي والقط تتعانق هناك في الفضاء البعيد.. الساعة تدق.. تعلن عن انتصاف الليل..
نصفي الثاني يقهقه ويقهقه.. وطرقات الميت على باب الحجرة تتوالى.. يقترب القط المنتصر من نصفي الحيّ ويمتزجان معا.. أصبح نصفي قط والنصف الآخر لبشر.. عادت إليّ عافيتي.. فتحت الباب لصديقي العائد للحياة.. تسمر في مكانه.. صرخ عاليا.. انطلق إلى النافذة.. قفز إلى البئر مع نصفي الأول، فعادت ضحكاتنا القديمة تتعانق في عنان السماء..
***
د/ ثروت عكاشة السنوسي
عضواتحاد كتاب مصر

أرجو من الله تعالى حسن الخاتمة بعد أن يكون قد منا علينا بالخليل الصالح لقوله عليه الصلاة والسلام(الأخلاء أعداء يوم القيامة إلا المتقون)
ومع تحياتي لشخصكم وقلمكم الرائع وزادكم الله فضلاً وإحسانا
الأخ الدكتور ثروت عكاشه السنوسي

الأستاذ الدكتور

(( ثروت عكاشة ))

نص محكم يعتمد على فن رائع من فنون (( البقع الضوئية )) والحوار الداخلي بين النفس والذات , هذا الفن

إستخدمه شكسبير في (( هاملت )) والفرنسي البرت كامي في (( الشئ الصغير))

وتظهر عبقرية الكاتب في أسلوب المد والجز في النص الأدبي بين نصفي الكاتب في حالة من عدم التوازن

صورة من المسرح التراجيدي تتمثل في بقايا من صدى الصوت الواهية تصدر من صديق رحل يغلبها مواء

هذا القط الأسود في سكون الليل .

عبقرية النص تنسج من الشخصية الواحدة سيناريو وحوار وآحداث تكّون أركان القصة الكاملة.

تحياتي أيها الأديب الأريب

محمد حسن كامل

أخي الفاضل وأستاذنا الجليل د/ عبد الغني
مرورك أسعدني وزاد صفحتي بهاءً..
لك كل التقدير والاحترام
داعيا لك بالصحة وطول العمر
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصـــــــــــــــــر

» دو.. ري .. مي.. سيا// قصة قصيرة للدكتور ثروت عكاشة السنوسي
» أقاصيص قصيرة جدا// للدكتور ثروت عكاشة السنوسي
» قبر غطته الثلوج// للدكتور ثروت عكاشة السنوسي
» حين يندثر حلمي الأخير// للدكتور ثروت عكاشة السنوسي
» أجمل ترحيب بالكاتب والصديق الحبيب د/ثروت عكاشة السنوسي