محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الخامسه / الأيام الاخيره للوحده المصريه السوريه

محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الخامسه
الأيام الاخيره للوحده المصريه السوريه

الإخوه والأخوات...
اراد الرئيس عبد الناصر ان يطبق القوانين المصريه بحذافيرها على الأقليم السوري دون مراعاة لخصوصيات كل اقليم ,ناهيك عن عدم جدوى كثير من هذه الأنظمه ونجاحها في مصر ففي 16 يناير 1956 اعلن الرئيس عبد الناصر نهاية المرحلة الانتقالية فألغي تنظيم هيئة التحرير وانشآ بدلآ عنه الإتحاد القومي. مازلت اتذكر احد ايام عام 1961 عندما حضر إلى بيتنا وفد يمثل المنطقه طالبين من والدي ترشيح نفسه عن قطاع في مدينة حلب في تنظيم الإتحاد القومي, وبالرغم من عدم قناعة والدي رحمه الله به حيث لا يعدو عن كونه مجلس بلدي بدون ميزانيه ولا صلاحيات, فقد إستجاب لطلبهم فنجح بالتزكيه دون دخول اي منافس ضده وقد إنسحب المنافسون مرحبين بالوالد, وصدق حدثه حيث لم يكن للإتحاد القومي ايه صلاحيات ذات نفع عام ولم يكن يقصد من تشكيله سوى الدعايه فقرر والدي بعدها الإستقاله من عضوية الإتحاد القومي.

في أواخر عام 1960 واوائل عام 1961 بدأت مشاكل الوحده تطفو على السطح، فقد تحول الاقليم الشمالي اي السوري إلى دوله بوليسيه بفضل القمع الذي مارسه العقيد عبد الحميد السراج. تصفية العناصر ذات الكفاءه في الجيش وإستبدالها بعناصر طيعه ليس لها قاعده شعبيه, كما شعر الضباط السوريين من أصحاب الرتب الرفعيه أن بعض الضباط من أصحاب الرتب الأقل كانوا يحصون عليهم أنفاسهم مما أفقد التسلسل العسكري إحترامه. إلغاء الوزارات المحليه والإكتفاء بوزاره مركزيه مقرها في القاهره نصيب السوريين منها كان محدودآ، وتم تتويج الإجراءات المتخذه بتحويل الإقتصاد المفتوح والذي برع فيه السوريون واسسوا مجموعات صناعيه وزراعيه وطنيه عريقه دون تدخل مال أجنبي إلى إقتصاد إشتراكي وتم تأميم كل الشركات والمصانع مما أفقد رجال الأعمال السوريين الثقه بالإقتصاد وبدأت موجة التسريحات تتزايد من 60 شخصآ شهريآ في دمشق قبل التأميم إلى 2600 شخصآ شهريآ بعد التأميم مباشرة وذلك نتيجة ضعف الثقه بالمستقبل وما يحمله من مفاجآت, والذي زاد الطين بله أن الرئيس عبد الناصر أوفد المشير عامر لسوريا لحل هذه المشاكل المعقده، علمآ بأن هذا الرجل لم يستطع أن يدير معركه عسكريه ناجحه. إذن الغيوم أخذت بالتلبد وبدا واضحآ للعيان أنه إذا لم تكن هناك عمليه إسعاف سريعه وناجحه فإن مستقبل الوحده سيكون في مهب الريح.

في هذا العام الذي كان مشحونآ بالإحتقان كنت طالبآ في السنه النهائيه أي الصف الثاني عشر لم يكن النجاح في البكالوريا كافيآ إن لم يسنده مجموعآ عاليآ مما دعاني لمضاعفة دراستي. في هذا العام أيضآ بدأ بث التلفزيون في الإقليمين السوري والمصري، واستغله عبد الناصر مباشرة لإذاعة مراسيمه الإشتراكيه، كما قام بتسخيره لمواسمه الوطنيه فمواسم أضواء المدينه وسهرات أم كلثوم والأغاني الوطنيه كانت تقوم بعملية تخدير واسعه، أما في الأقليم السوري فكان التلفزيون ينقل حرفيآ البرامج الدعائيه خطوة خطوه.كان جدي الحاج حسين رحمه الله يسهر عندنا أحيانآ إلا أنه كان يدير ظهره للتلفزيون وكنت أشجعه على متابعة الأخبار أو برنامج عالم الحيوان أو عالم الطبيعه فليس في مثل هذه البرامج ما يدعو إلى التحريم، لكنه وعد بإستشارة شيخه قبل أن يتخذ قراره، كان جدي رحمه الله كما ذكرت في محطه سابقه يقيم في المنطقه القديمه التاريخيه وكان بيته قريبآ من السوق والمسجد، لا أذكر أن جدي قد إنقطع عن الصلاة في الجامع طيلة عمره إلا في حالات المرض بما فيها صلاة الفجر صيفآ وشتاءآ وما زلت أذكر كيف كان يكسر طبقة الجليد السطحيه المتجمده على وجه الماء في أيام الشتاء القاسيه قبل أن تدخل بيته شبكة ماء البلديه ويتوضأ منها فجرآ وبخار الماء يخرج من بين مسام جلده، أوردت هذه القصه لأقول لكل حاكم متواكل أننا كأمه نجحنا مع هؤلاء حيث بنوا مع صفاء العقيده قوتهم الروحيه والماديه، وليسمح لي مختار رام الله لأقول له: سيدي ماتقوم به هو العبث بذاته فما نيل المطالب باللقاءات العبثيه ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. بعد هذه المداخله أعود فأقول بأن الشيخ شريف قد أباح له مشاهدة التلفزيون للبرامج البعيده عن الخلاعه، وهذا صحيح ولكن حذره من الذهاب خلف التلفزيون والتفرج على الآته وهنا ضحك الجميع وقلنا له تكرم دقنك سنغطي قفا التلفزيون بمنديل حتى لاينظر إلى الآته أحد.

أيها الإخوه والأخوات في صيف 1961 نلت شهادة الدراسه الثانويه البكالوريا بجموع جيد عرض علي الوالد الإنتساب إلى إحدى الكليات في سوريا ولكني رفضت حيث أن جميع إخوتي والذين سبقوني وعددهم 4 قد درسوا في أوربا فلماذا أشذ أنا عن القاعده ؟ لم أكن في حينها أفكر بالناحيه الماليه المُرهَقه للوالد رحمه الله هكذا يفكر الشباب ولايستقم تفكيرهم الا بعد أن يصبحوا آباءآ عندها يقولون كان الله في عون آبائنا، قدمت أوراقي إلى مجموعه من الجامعات الأوربيه وقررت الإنتساب إلى جامعة بادوفا الإيطاليه والقريبه من مدينة البندقيه وكانت ذات سمعه عاليه في الهندسه الميكانيكيه فتسجلت بها, وأنا في غمرة التحضير للسفرعن طريق قطار الشرق السريع، فإذا بالأخبار ترد تباعآ عن حركه إنفصاليه بتاريخ 28 إيلول سبتمبر 1961 قام بها بعض قطعات من الجيش السوري والمتمركزه في معسكرات قطنا قرب دمشق إضافة لسلاح الباديه وكان يرأسه العقيد حيدر الكزبري وهو ضابط من عائله دمشقيه معروفه وإبن عم الدكتور مأمون الكزبري والذي تولى مناصب عديده ومنها رئاسة الوزراء في عهد الإنفصال, لم يكن يحسب لهذا السلاح أية حسابات في السياسات السوريه ولذلك كان بعيدآ عن رقابة المخابرات العسكريه وأداءه محصور فقط بملاحقة المهربين وفض النزاعات بين عشائر الباديه.
عندما كنت ضابطأ إحتياطيآ في الجيش السوري حدثني صديق عشائري تعرفت عليه وكان برتبة مساعد ضابط في سلاح الباديه عن تحرك وحدته والتي شاركت بالإنقلاب قال الرجل: جمعنا العقيد حيدر الكزبري ليلة 26 إيلول ووجه إلينا تعليمات صارمه بوضع كافة المدرعات والآليات في حاله جاهزيه تامه وأنه سيقوم في صباح اليوم التالي مع ضباطه بتفقد هذه الآليات وحذرنا من مغبة أي تأخير ،كانت المعلومات تشير لدينا ـ تابع الرجل ـ الى أننا سنقوم بملاحقه داميه لمجموعه كبيره من المهربين يتنقلون بحريه بين السعوديه والأردن وسوريا والعراق.لم يكن لدينا آليات بالمعنى المعروف لهذه الكلمه، كل ما كنا نملكه عباره عن 18 مصفحه قديمه من طراز رينو الفرنسي خاضت حرب فلسطين عام 1948 ثم أهدانا إياها الجيش السوري وبقيت في مستودعاتنا دون إستخدام منذ تلك الفتره ولانعرف عن جاهزيتها شيئآ, إضافة إلى مجموعه من عربات الدفع الرباعي وبعض الآليات الصغيره الأخرى. كنا نعمل كخلية نحل نفكك الآليات التي لاتعمل ونستفيد منها كقطع غيار لإستكمال أليات أخرى، وفي الساعة المحدده للتفتيش قام العقيد الكزبري بإستعراضنا، وأبدى قناعة بإستعدادنا، في فجر 28 إيلول كان كل منا في موقعه ثم جاءت الأوامر بالتحرك وراء آليات القياده، كان التحرك غربآ بدل التحرك شرقآ بإتجاه الباديه ولكن الجميع لزم الصمت كانت أسلحتنا مذخره وجاهزه للإطلاق في كل لحظه وبعد فتره زمنيه صغيره عرفنا أن الوجهة هي دمشق وقبل دخولنا إليها وقفت القافله ثم جاءت التعليمات واضحه لالبس فيها، ووزعت علينا كلمة السر وإنقسمنا إلى مجموعتين الإولى إتجهت إلى مكان إقامة المشير عامر وحاصرتها ومجموعتنا إتجهت إلى مبنى الإذاعه والتلفزيون وحاصرته ثم دخل مجموعة من الضباط وافراد الحراسه من خارج وحدتنا مزودين بكلمة السر إلى إستوديوهات الإذاعه والتلفزيون وأذاعوا البيان رقم واحد. إلى هنا إنتهت قصة الرجل... وللموضوع بقيه في المحطه القادمه.

مع تحياتي

أخي الأديب الألمعي المهندس / هشام نجار

هكذا وُلدت الوحدة ونفقت يوم ميلادها , وانا أسافر معك بين المحطات يلح علي سؤال لماذ ماتت الوحدة بين مصر وسوريا في المهد دون ان تُكتب لها الحياة...؟
في الوقت الذي اعيش فيه في اوروبا وقد عايشت ميلاد الإتحاد الأوروبي
ورأيت كيف أتحد الاوربيون وتم إزالة كل الحواجز النفسية والأقتصادية والعرقية بينهم
كيف تناست ألمانيا وفنسا الصراعات الدموية في الحربين الاولى والثانية
كيف تم طي صفحة هذا الماضي الأليم
كيف نتمتع بحرية الحركة والإستثمار بمجرد إستخدام البطاقة الشخصية
كيف تم إغلاق شبابيك التأشيرات دون رجعة بين دول الإتحاد الأوروبي ؟
لقد عاشت التجربة الأوربية
وماتت التجربة المصرية السورية....!!!
هل نحن نحمل نفايات الجينات البشرية....؟

محمد حسن كامل كتب:: أخي الأديب الألمعي المهندس / هشام نجار

هكذا وُلدت الوحدة ونفقت يوم ميلادها , وانا أسافر معك بين المحطات يلح علي سؤال لماذ ماتت الوحدة بين مصر وسوريا في المهد دون ان تُكتب لها الحياة...؟
في الوقت الذي اعيش فيه في اوروبا وقد عايشت ميلاد الإتحاد الأوروبي
ورأيت كيف أتحد الاوربيون وتم إزالة كل الحواجز النفسية والأقتصادية والعرقية بينهم
كيف تناست ألمانيا وفنسا الصراعات الدموية في الحربين الاولى والثانية
كيف تم طي صفحة هذا الماضي الأليم
كيف نتمتع بحرية الحركة والإستثمار بمجرد إستخدام البطاقة الشخصية
كيف تم إغلاق شبابيك التأشيرات دون رجعة بين دول الإتحاد الأوروبي ؟
لقد عاشت التجربة الأوربية
وماتت التجربة المصرية السورية....!!!
هل نحن نحمل نفايات الجينات البشرية....؟

اخي العزيز صاحب الرؤيه الثاقبه المفكر محمد حسن كامل حفظه الله
المؤسف ان أمتنا
لديها نفس العقيده ولديها نفس اللغه ومنبتها من نفس الجذور...
لدينا نفس الهدف...
تاريخنا واحد...
وكذلك سيكون مستقبلنا شئنا كشعوب او أبينا...
سواءآ ابحر بعض الحكام بسفينتهم بعيدآ عن شط امتنا او بقيت سفينتهم نائمه في موائننا
فلا مناص من اللقاء ولا بديل عن الإلتقاء... نعم سيدي الكريم يبدو ان الجينات تلعب دورآ واملي ان لا يكون دورآ حاسمآ في فرقتنا
مع تحياتي

» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه السابعه / الكمين
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الأولى / ولادة الذاكره - الجزء الأول
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الأولى / ولادة الذاكره - الجزء االثاني
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الثالثه / الحاله السياسيه في اعوام الخمسينات
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الرابعه / طالب ثانوي (الجزء الأول)