د ثروت عكاشة السنوسي
عدد المساهمات : 16 نقاط : 26 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 06/10/2010
| موضوع: دو.. ري .. مي.. سيا// قصة قصيرة للدكتور ثروت عكاشة السنوسي الجمعة أكتوبر 15, 2010 2:34 pm | |
| دو.. ري.. مي ..سيا.. !! فقيرة هي ، دائماً تتمرد على واقعها المرير ، تحاول أمها أن تعيد إليها صوابها ، لكنها تشيح بكلتا يديها في وجهها ، تدفع أختها الصغرى التي تتطلع إليها ، وتخرج من البيت ناقمةً على كل شئ في معيشتها ، دلفت إلى أرقى المحال التجارية لفساتين السهرة، لم تجد شيئا يناسب جسدها الممشوق وقدها المياس .. تأملت فستانها البالي ، وحذاءها الممزق ، أخذ الغضب يغزوها مجدداً ..
تلفتت حولها في ضيق ، تخرج مسرعةً إلى السنتر الجديد " سيا ".. تدخل .. تقف مشدوهة أمامه ، يتفحصها من أعلاها إلى أدناها ، يبتسم ابتسامةً رقيقة تحمل العديد من المكر والدهاء ، يقرأها جيداً ، يقترب منها في نعومةٍ بالغة ، تتداعى أمامها كل الأسعار ، تتأمل كل شئ بنهم شديد ، تسعى للامتلاك .. يوفر لها القديم الفاخر والجديد الفاخر جداً.. معارض كل العالم ..ملك لك أنت دون كل البشر..
تغمرها السعادة .. ترفع رأسها عالياً ، تضحك في هستيريا ، تسمع صوت انفجار عال بداخلها ، لم تعره التفاتاً ، تسرع لترتدي ثوب العراء، يبدو مقاسه جيداً ، "لكن الوسط مزنوق ، والصدر مكشوف ، وقصير جداً ، والظهر غير موجود بأكمله ، لكنه جميل..."
يقترب منها أكثر ، يحتضنها بشدة ، يتفصد العرق من جبينها خجلاً .. تذكر أمها السيدة الفاضلة وأبوها الرجل الطيب ، تضع يدها على بطنها العارِي، تبحث عن أحشائها ، فلا تجدها ، تجرى مذعورة هنا وهناك .. تبحث في كل مكان عن ملابسها القديمة لتستر عوراتها الكثر ، بينما دموعها تتساقط على الرخام والسيراميك فتتدحرج ثائرة أسفل قدميها الفضيتين ، تجثو ، تمسك بضع دمعاتٍ تتكسر أشواكاً بين أصابعها الرقيقة ، فتنزف دماؤها غزيرةً جداً ، بينما يتجمع حولها ملوك الكون ، ينهشونها بنهم، يتقاسمونها في سخرية ، فتصرخ ويضحكون ..
يدب الخلاف بينهم حين يمزقونها .. وصلوا إلى قلبها ، كلهم يود الفوز بالوليمة العظيمة.. تتداخل أظافرهم فيه بقسوة ، تصرخ بشدة، تسقط بلا وعي .. تنهض ، تعود لترتدي ثوب الطهر .. تبحث في ثناياها عن نفسها بين الصوم والصلاة .. بين الاتشاح بالسواد حزناً على الشرف المفقود والالتزام بالزي الأبيض ، ربما تعاود بحثها بين الأهلة والصلبان .. تلك المرسومة منها على الأحجار القديمة ، وعلى صناديق الموتى ، بل على النسيج المتآكل وزجاج العيون أو حتى البقايا المدفونة في الصدور، والأخرى المحفورة على جدران المعابد والأحجار أو في أعماق العقول ..
بعيدا عن ثورة التكنولوجيا العارية و المعلوماتية بعلومها وطاقتها الذرية ، تفّجر مبادئ الموتى القدامى التي تسكنها من قديم .. تتذكرهم وفقرهم وأمراضهم التي ماتت جدتها بسببها محصورةٌ بين الجهل والغباء وخرافات الوصفات البلدية التي امتلكت زمام الأمور في عقولهم وعيونهم ،فطاشت بعمرها بعيداً عن دنيانا كلها .. عادت تحدث المقارنة بين أخلاقهم وتكنولوجيا الغنى الفاحش ، تنتصر حيناً للأخلاق القديمة ، وأحيانا لعلمهم والتكنولوجيات المستحدثة التي تبحث لها عن جذور فلا تجدها إلاّ عند ذات الجدود .. تطيل النظر إلى قبورهم ، تأملهم أحياءً ، لكنهم موتى لا يعودون .. تنادي فقراء العقول ، وكل أصحابها من مرتادي نوادي التكنولوجيا ، فيتجمعون حولها.. أعراقا وأجناسا .. و.. ألواناً مختلفة من البشر .. تتموج مشاعرها نحوهم ، لكنها لا تشعر بالأمان .. مزقوا ثوبها الأسود ، ثم الأبيض غاصت أسنانهم في ذات الجسد المرمري.. كلهم يبتغونها شرائح ذهبية ، وفضيات لامعةٍ بعيون زرقاء .. تقاوم رغبات الامتلاك ، لكن الظلام يلفها ، والثياب البيضاء أيضاً واللحى الطويلة تنبت أشواكاً تنغرس في جسدها ، بضع رصاصات تنطلق بين الشفاه.. حروفٌ جوفاء ، وكلمات صفراء ..
دماءٌ راكدة ترقد فيها الأهلَّة والصلبان المهدرة بين تلك الحروف المندسة أسفل الألسنة المعصوبة من زمن .. يمتد لسانها باحثاً عن قلبها .. ينغرس فيه بشدة ، تنفجر دماء القلب ساخنة ، ترفع معصمها لأعلى ، تشير إلى هناك ، حيث يرقد الآخرون، تصعد روحها أيضاً، وتصطدم بجدار السماء ، بينما يمزّقون ذات الجسد ..
تعاود أختها الصغيرة آثار التمرد ، تقفز فوق السور الرملي المشتعل .. ترتدي الفستان الثلجيّ .. ترسل ابتسامتها ساحرةً إلى كل العيون ، تمسك بالقلم الذي يحمل كل العلوم الكونية ، ترسم خطاً أزرق نحو البحر ، وبضع خطوط رمادية كلها تصل كاملةً إلى بلادهم ، وعروقٍ كثيرة .. تتقطع دائما قبل الوصول إلى بلادنا ، فقط تصل أحيانا ً في فصل الخريف ..
أسعارها محددة " بالـ .. ين والدولار .. والجنيه الإسترليني .. الريال والدينار البترولي .. واليورو يشتعل كل يوم ، فتشتعل النيران .. تحرق كل فقراء الكون.. ذهبا مسلوقا ، ياقوتا مدقوقا ، مرجانا مشنوقا .. بترولا مسروقا .. أنهارا معكرةً، وابتساماتٍ دامعةٍ .. ويسكي برائحة البورصة ، ونباتاتٍ مسمومة .. أرضٌ تنبت الجماجم ، ورؤوس الأحياء الموتى تحملها أثواب الفقراء .. تتموج في بحرٍ هائجٍ من الثلج والصودا ، تتركهم بين العرى والخزي وصرخات الجوع التي تعلو ، ثم تعلو ، تمزق بطونهم وفلذات أكبادهم ، تتركهم بلا طعام ، بلا مأوى ...
تنظر إلى نقطة اللامدى .. تغوص نظراتها الملبدة بالغيوم السود في كبد السماء ، تحاول أن تصرخ بأعلى صوتها المخنوق داخلها ، حتى الفستان الثلجي صار رماداً .. صارت عارية ، تسمع نداء أختها الراحلة تصرخ بصوت متحشرج : سي .. يا.. سا ....! تستغيث الصغيرة .. تخترق صرخاتها حاجز الصمت .. تخلع فستان الأخت الكبرى.. تخرج مسرعةً من قلب الجحيم .. ترتدي ثوبها القديم .. تحمل عصاها وتعود من حيث أتت ..!!
*** د/ ثروت عكاشة السنوسي عضواتحاد كتاب مصر | |
|
محمد حسن كامل رئيس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب
عدد المساهمات : 645 نقاط : 1180 السٌّمعَة : 21 تاريخ التسجيل : 31/03/2010 العمر : 67 الموقع : إتحاد الكتاب والمثقفين العرب
| موضوع: رد: دو.. ري .. مي.. سيا// قصة قصيرة للدكتور ثروت عكاشة السنوسي السبت أكتوبر 16, 2010 4:07 am | |
|
الأديب الرائع الأستاذ الدكتور
(( ثروت عكاشة السنوسي ))
إنعكاس رائع يعكس بحنكة وصنعة وحرفة واقعنا المعاصر, بكل ما فيه من صراع أزلي بين الحق والباطل
والفضيلة والرزيلة , في قصة كاملة الأركان , سليمة القواعد .
تتوفر فيها الآشخاص والزمان والمكان والآحداث والصراع الداخلي في النفس الإنسانية , تشابك الآحداث
سريع بانسيابية , ثم العقدة والحبكة والحل على مرمى شاطئ خيال القارئ.
القصة إسقاط نفسي لنماذج بشرية تعيش تلك الآحداث من دم ولحم , فهي تعكس جانباً من الواقعية , وأخر
من الرمزية .
تنتهي القصة بسؤال لمشاركة القارئ في العمل الفني على مستوى العمل الجماعي ومناشدة العقل , وأيضاً
دعوة للعودة إلى القيم , في رحلة للمستقبل بحرف الماضي.
تحياتي لك أيها الاديب السامق .
محمد حسن كامل
| |
|
د ثروت عكاشة السنوسي
عدد المساهمات : 16 نقاط : 26 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 06/10/2010
| موضوع: رد: دو.. ري .. مي.. سيا// قصة قصيرة للدكتور ثروت عكاشة السنوسي السبت أكتوبر 16, 2010 4:54 pm | |
| ٌُسيدي قبطان السفينة وقائدنا المحنك محمد بك إن جمال حرفك وقدرتك على التحليل قد أذهلتني، فراعني كيفية توصلك إلى ما أرمي إليه بقصتي هذه فهي من مجموعتي اللقصصية (الرقص على حافة جهنم وسعادتي بمرورك جد لو تعلمون لها قدر عظيم عندي وتشجيعكم تاج على رأسي لك مني كل الحب وباقة من أعواد الطيب وأوراق الفل مودتي واحترامي لشخصك الراقي وقلمك البديع د/ ثروت عكاشة السنوسي | |
|