محطات صغيره في حياة إنسان عادي - المحطه التاسعه / مدرس ثانوي بالوكاله

محطات صغيره في حياة إنسان عادي - المحطه التاسعه / مدرس ثانوي بالوكاله

الإخوه والأخوات...
حرب الكارثه عام 1967 أصابت العرب بالذهول , فكما ذكرت في محطه سابقه، أن إستعدادنا لحرب إسرائيل كان غايته إقناع الشعوب العربيه بوطنية الحكام فقط وليس إقناع إسرائيل بجدية محاربتها وانتزاع حقوقنا منها، فطربنا للخطب العصماء وسكرنا بها حتى شعرنا أن النصر صار قاب قوسين أو أدنى. طربنا عندما قال المرحوم جمال عبد الناصر امامنا ايام الوحده اثناء زياراته المتعدده لمدينتي حلب "سنحارب إسرائيل ومن هم خلفها وسنرميها في البحر" فنرمي قبعات الفتوه في السماء ونحن نهتف الله اكبر . وطربنا عندما قال الفريق أمين الحافظ سأجعل لإسرائيل جدارآ يبكون أمامه ممتدآ من القدس حتى دمشق بينما كانت جيوشنا تقاتل في غير موضعها في شوارع مدننا ودروب قرانا وحكامنا يستندون على إصبعة الإبهام فقط بدل الوقوف على قدمين ثابتتين.
نتيجة لهذه النكسه بدأت حركة المقاومه الفلسطينيه تنشط وكان أكبر فصائلها آنذاك حركة فتح وجناحها العسكري العاصفه كان على رأس هذه الحركه المرحوم ياسر عرفات وإسمه الحركي ابو عمار، كان عرفات مهندسآ مدنيآ يملك مقومات قياديه، وقد إستطاع أن يتعامل مع المتناقضات العربيه والدوليه بمهاره. كان بمقدوره مثلآ أن يعانق القذافي في الصباح، وفي المساء كان يقبل خشم المرحوم الملك فيصل على الطريقه السعوديه. كان أهم إمتحان للمقاومه هو دخولها مع الجيش الأردني في معركه إستمرت يومان بتاريخ 21 آذار/ مارس 1968 سميت بمعركة الكرامه إستطاعت أن تجعل من ذلك اليوم إسطوره خالده مما قوى رصيدها لدى الشعوب.

شريط فيديو يحكي قصة ملحمة الكرامه
https://www.youtube.com/watch?v=Fp-CxN1KERs

بدأت معركة الكرامه عندما حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية من نهر الأردن لأسباب تعتبرها إسرائيل استراتيجية. وقد عبرت النهر فعلا من عدة محاوركما هو واضح في الخارطه مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف. فتصدت لها قوات الجيش الأردني على طول جبهة القتال بقوة وشاركتها فصائل من الفدائيين الفلسطينيين في قرية الكرامة حيث التحموا بالسلاح الأبيض مع الجيش الإسرائيلي في قتال شرس. استمرت المعركة أكثر من 16 ساعة، مما اضطر الإسرائيليون إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم. وتمكنت القوات الأردنية والفلسطينية في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة من تحقيق إسرائيل لأهدافها.
في عام 1967 كنت على أبواب التخرج من كلية الهندسه، وكان علي أن أستعد لمشروع التخرج وكان عباره عن تصميم محطة لتوليد الكهرباء بإستطاعة 100000 كيلو وات مع كافة ملحقاتها, كان والدي رحمه الله في ذلك العام مديرآ لإحدى الثانويات وكانت السنه الأخيره له قبل الإحاله على التقاعد، قال لي والدي: ياهشام طالما أنك في إجازه، فما رأيك بتدريس مادة الرياضيات مؤقتآ خلال هذا الشهر ريثما يشفى الإستاذ الأصيل من مرضه، وافقت فورآ على الفكره، فمادة الرياضيات هي دراستي وهوايتي، وكمان مصروف جيب حيث كانت الحصه بسبع ليرات سوريه تعادل قيمتها آنذاك دولاران، إلا أن المفاجأه جاءت بعد ذلك عندما إنتقل مدرس مادة التربيه الفنيه إلى مدرسه أخرى وشغر مكانه حيث طلب مني والدي تغطيته مؤقتآ لحين إنتداب مدرس جديد، قلت لوالدي إلا هذه إستاذ ياسين {وكنا نمازحه كثيرآ رحمه الله} قال والدي ياهشام حيث انك تملك ملكه في الرسم فهذا سيساعدك كثيرآ, ثم انها كلها ثلاث اسابيع وترسل لنا مديرية التربيه استاذآ اصيلآ، وعلى الأقل نضمن وجود الطلاب في الفصل بدل التشويش على رفاقهم. فوافقت على مضض، ولم يمض إسبوعآ على تدريسي لهذه الماده حتى جاءت مفاجأه أخرى من العيار الثقيل, قال والدي ياهشام مفتش مادة التربيه الفنيه الأستاذ سالم سيزور حصتك غدآ أجبته وهل الأستاذ سالم فتل وبرم على كل المدارس ولم يبق عليه سوى متابعة حصة هشام نجار ثم ماذا سيستفيد ؟ كلها عشرين يوم وماشي ؟ قال والدي لاعليك خذ الوضع طبيعي. وفي اليوم المحدد دخل الإستاذ سالم وقف الطلاب إحترامآ إختار مقعده في آخر الفصل ووضع دفتر ملاحظاته أمامه وبدأ يتابع إلقائي للدرس، كنت أمر على الطلاب أصلح من رسوماتهم وأشرح على السبوره لتعميم الفائده،كنت أنظر إليه بزاوية عيني فأراه منهمكآ بالكتابه، فأقول لنفسي ياسيدي... يكتب ما شاء له أن يكتب كلها كم يوم وأنا ماشي وقبل أن يرسل سيادتو تقريرآ بإقالتي سأقيل نفسي ولن اتركه يهنأ بإقالتي. غادر الإستاذ سالم الفصل وتنفست الصعداء وبعد إسبوع قال لي والدي: إسمع ياهشام تقرير المفتش سالم عنك، أجبته: أعرف سيعلق مشنقتي بساحة باب الفرج {كان يعدم فيها المجرمون قبل أن يحول تنفيذ الإعدام إلى السجن المركزي} قال ضاحكآ: لا... إنه يمدحك وقد إقترح على الوزاره أن تكون مرافقآ للطلاب لمعرض إستنبول الدولي الذي سيقام في الصيف للطلاب المتفوقين من مختلف أنحاء العالم في مادة الرسم، قلت له: إستاذ ياسين الف شكر بس يتركني بحالي والف خير من الله.
في مساء الأثنين 23 آب / أغسطس 1967 توقفت دورة الحياة عند الوالد بعد أن أدى الأمانه حتى آخر يوم من حياته ربى خلالها أجيالآ مازالت تذكره بكل خير وخرج في وداعه إلى مثواه الأخير أعداد غفيره من مدينة حلب رحمه الله.
الإخوه والأخوات...
في المحطه القادمه سأدخل الحياة العمليه وأولى هذه الخطوات هي خدمتي مهندسآ في الجيش العربي السوري في فتره ساخنه و حرجه من التوتر مع إسرائيل قبل حرب رمضان 1973 فإلى اللقاء.
مع تحياتي

أخي الحبيب الاديب الاريب المهندس /

هشام نجار

مقالتك تلك ذكرتني بأول حديث تلفزيوني لي في القناة الاولى للتلفزيون المصري والفضائية المصرية
دق هاتفي المحمول وسألني الطالب ( محمد بك كامل موجود) فقلت له أنا محمد كامل
قال لي ( أنت المسلة المصرية من دم ولحم في باريس)
فعرفت من صاحب تلك العبارات الرنانة
إنه المحاور والاعلامي التلفزيوني / مفيد فوزي الوحيد الذي يسمح له الرئيس مبارك للحوار معه في تلك المرحلة فقال لي سأزورك في باريس وٍأجري حديثاً معك في برنامجه الشهري الشهير ( حديث المدينة)
وجاء مفيد فوزي والكاميرات والمعدات والمصورين والفنيين ومخرجة البرنامج نادية كمال رحمها الله
وقد أسديت له نصيحة أن يكون التصوير في الشارع لكي نقدم سياحة مجانية للفقراء في مصر
الآمر الثاني لقاء كل قطاعات الشعب المصري المهاجر بباريس من عمال وطلبة ومفكرين وعلماء وان تكون الحلقة غير عادية
وبدأنا التصوير على ضفاف نهر السين شريان باريس ووريدها
وكان من المعروف عن هذا المحاور الاستفزاز في حواره وفي الحوار سألني عن فن الحياة الفرنسية
فقلت له حينما نتحدث عن فن الحياة الصورة التي نحن فيها الآن أبلغ إجابة وأصدق تعبير من فن وثقافة وأناقة وفكر وإبداع
ولن يولد الإبداع إلا بلقاء مع صادق مع النفس وقلت له ان الإنسان لديه مواعيد مع الدنيا كلها إلا نفسه
لقاء النفس يطرح عليك الحقيقة كما هي عارية دون رتوش
ولو إلتقى عبد الناصر مع نفسه ماكانت الهزيمة
ومنذ هذا اليوم افضل الخلو مع نفسي حتى أدفع أي هزيمة في الطريق
أليس كذلك.....؟
تحياتي وفائق إحترامي
محمد حسن كامل

» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - المحطه الثامنه / طالب جامعي
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه العاشره / إنتحار الذات
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الرابعه / طالب ثانوي (الجزء الأول)
» ( محطات صغيره في حياة إنسان عادي - الحلقه الرابعه / طالب ثانوي (الجزء الثاني)
» محطات صغيره في حياة إنسان عادي ـ المحطه الثانية عشر/ ثلاث سنوات في ليبيا ( ٢ من ٣ )