جدل بمصر حول الدعوة لتنقية "صحيح البخاري"

القاهرة : تشهد الساحة الدينية في مصر حاليا جدلا واسعا في أعقاب دعوة المستشار أحمد ماهر المحامي بالنقض لمجمع البحوث الإسلامية لتنقية "صحيح البخاري" بزعم أنه "يحتوى على أحاديث غير صحيحة وتطعن فى كتاب الله"، وهي الدعوة التي أكد أعضاء بمجمع البحوث الإسلامية رفضهم لها لكونها تأتي من "غير متخصص" إضافة إلى يقينهم بأن صحيح البخاري هو أصح كتب الأحاديث و لا يحتاج لتنقية.
وكان المستشار أحمد ماهر المحامي بالنقض وأحد قيادات الطرق الصوفية بمصر قد أرسل الأحد الماضي رسالة إلى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، طالبه فيها بعقد اجتماع برئاسته وبحضور أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، لمناقشته فى طلبه لمجمع البحوث الإسلامية، إعادة النظر فى صحيح البخارى.
وطالب ماهر فى وقت سابق مجمع البحوث الإسلامية بإعادة النظر فى صحيح البخارى، نظرا لما يحتويه من طعن فى كتاب الله، على حسب زعم.
رفض قاطع
وفي المقابل رفض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بشكل قاطع مطلب تنقية البخاري، مؤكدين أن صحيح البخاري هو أصح كتب الأحاديث و لا يحتاج لتنقية، وفي حال وجود طلب للتنقية لابد وأن يأتي من متخصص ويقوم على دليل لا على مجرد إحداث زوبعة وطلب شهرة.
وقال الدكتور الأحمدي أبو النور عضو مجمع البحوث الإسلامية إن تنقية الحديث المروي المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم عموما أمر واجب تدفع إليه الغيرة على الدين، ويوجبه مبدأ النصيحة لأن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والنصيحة للرسول تكون بالاخلاص لما روي عن النبي وتنقية ما نقل عنه بحيث لا يبقى إلا ما صحت نسبته للرسول.
وأوضح أن الكتب المصنفة في الحديث قسمان: قسم خص نفسه برواية الصحيح وقسم لم يدع هذه الدعوة ولم يخصص لنفسه الصحيح، ومن الكتب ما صحت دعاوه وقام الدليل على صحة الأحاديث بها كصحيحي لبخاري ومسلم، لكن هناك كتب أخرى كسنن بن ماجة والنسائي والترمذي وأبي داود لم تخصص لرواية الصحيح فمنطق الخاص بهذه المؤلفات يوجب تنقيتها من غير الصحيح .
وبين أن كثير من العلماء القدامى والمعاصرين قاموا بجهود لتنقية كتب الأحاديث، فكان القدامى كالدار قطني والبيهيقي خصصوا أنفسهم للبحث عن كل ما لا ينطبق عليه النص الصحيح للحديث، كما بين محدثين كل ما يتعلق بالصحيح والموضوع، ولناصر الألباني عدة كتب في سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، وما صح في كتب أحاديث بن ماجة والنسائي .
ولفت إلى أن هناك العديد من الشروح التي ألفت في صحيح البخاري، فمنذ وفاته عام 256 هـ والشروح على كتابه صحيح الأحاديث لم تنقطع و تمت اختبارات عديدة لصحة البخاري، وكل من انتقدوه لم يظفروا بطائل لأنه كان ملتزم بالمنهجية في رواية الحديث.
غير منزه ولكن
ومع يقينه بصحة "صحيح البخاري" وأنه لا يحتاج إلى تنقية، إلا أن الدكتور الأحمدي رأى أنه غير بعيد عن النقد، وأنه غير منزه، حيث لا حرج على بحث علمي ولا على نقد لكن على من ينقد أن يذكر حيثيات النقد ومقدماته واستنتاجه.
واستطرد قائلا :" لا يزال أفق النقد العلمي موجود لكن للمتخصصين أصحاب الاجتهاد، ولا يمكن القبول بأن يظهر غير متخصص لينتقد البخاري، فيتصيد حديث للقول بأنه يتعارض مع القرآن، فهذا لا يمكن الأخذ به من غير متخصص خاصة وأنه قد يكون غير مطلع على النسخ الأصلية ولا على شروح البخاري".
ويرى أبو النور أن ما يحدث اليوم هو أمر من قبيل طلب الشهرة وليس أمر ديني، فمن يحاول التشكيك في صحيح البخاري غير متخصص، ويؤكد أن محاولة النقد لأي حديث بالبخاري يتطلب التخصص والقدرة على إقامة الدليل، وامتلاك شروط الاجتهاد.
النسخة الأصلية
وحول موقف الأزهر من مخاطبات أحمد ماهر والتي تطالبه بإعادة تنقية "صحيح البخاري"، قال الدكتور الأحمدي:" إن مجمع البحوث الإسلامية وهو أعلى هيئة علمية دينية لا يمكن أن يقوم بتنقية البخاري لأنه له منهجية علمية سليمة، وصحيحة في رواية الأحاديث، وأن الأزهر سيرد على كل من يشكك في أي حديث فيه، لكن بشرط أن يأتي بأدلته وما لديه بكل ما عنده من فكر لنضعه على بساط البحث".
وأشار إلى أن من يريد أن يقول في البخاري نقدا عليه أن يأتي بالنسخة الأصلية للبخاري، ويقرأ كل الشروح التي كتبت في الأحاديث حتى يصل للحقيقة قبل أن يوجه نقدا له.
وبين أنه لا ينبغي أن ياتي شخص بنسخة غير معتمدة ليحتج بها على عدم صحة أحاديث البخاري، وأن من يريد أن يحتج على البخاري لابد وأن يقرأ النسخة الأصلية وفروق النسخ، كما لابد وأن يجمع الناقد كل الشروح الواردة في الأحاديث الواردة في البخاري، حيث أن البخاري ومسلم خدم بالشروح والدلالة على صحة الأحاديث، وكان آخر شرح للبخاري في 35 مجلد.
وأشار إلى أن الصحيحين كتب فيهما شروحا عديدة ولم يخدم كتابان في السنة النبوية كما خدم هذان الكتابان من شروح .
وبين أن ممن وجه انتقاده للبخاري المحدث الدار قطني، وتصدى بن حجر لتلك الانتقادات في كتاب، وقام بشرح البخاري وقدم للشرح بكتابين يتحدث فيهما عن نشأة البخاري ومنهجيته في توثيق الحديث، ورد كل الطعون التي وجهت للبخاري.
وأوضح الدكتور أبو النور أن تركيا عندما كانت مقر الخلافة ارسلت للازهر لتراجع النسخة "اليونينية" وهي النسخة الأولى فيما يتعلق بصحيح البخاري، وتمت مراجعتها من لغويين وعلماء الأحاديث من 15 من كبار علماء الأزهر وممثلين عن المذاهب الأربعة، ومن يريد قراءة صحيح البخاري أن يقرأ عن تلك النسخة.
واختتم حديثه بالتأكيد مجددا على يقينه بأن صحيح البخاري لا يحتاج لتنقية، قائلا :" إن البخاري كانت له ذاكرة مسخرة لحفظ السنة وأحاديث الرسول، وأفنى عمره في السنة، ولا خوف على السنة، ومن ينتقد فلينتقد لكن بموضوعية دون السعي للشهرة وضرب فرقعات، مع يقيننا أن البخاري لا يحتاج لتنقية".
المتخصصين فقط
بدوره اتفق الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية مع الدكتور الأحمدي في رفض الطعن على صحيح البخاري، معربا أيضا عن ترحيبه بكل نقد يوجه بشرط التخصص والعلم، وسماع الرد .
وقال :"إنه لايجوز لغير متخصص أن يوجه نقدا للبخاري لمجرد أنه قرأ حديثا به لم يعرف شروحه ولا تفصيلاته وأخذه على عواهنه ليحتج به على عدم صحة البخاري، خاصة وأن هناك أمور لا تظهر إلا في شرح الأحاديث، حيث أن هناك ما يتعلق بأمور تخصصية في الفهم والتعبير لا يستطيع الشخص العادي فهمها إلا عن طريق متخصص حتى وإن درس الشريعة الإسلامية".
الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أكد أيضا أن الحديث عن السنة وكتبها ومن بينها صحيحي البخاري ومسلم، واللذين لم يشكك فيهما مجتهد منذ عصر التابعين وحتى يومنا هذا، يتطلب ان يكون المتصدي للحديث عنهما متخصص، وليس مجرد قاريء أو مهتم بالفكر الإسلامي، حتى لا نسمع تشكيك في البخاري ليس في موضعه.
جدل سلفي صوفي
على الجانب الآخر أحدثت دعوة أحمد ماهر بتنقية صحيح البخاري خلافا سلفيا صوفيا جديدا، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الطريقة العزمية تأييدها للدعوة رفض السلفيين الدعوة واعتبروها خطر داهم على الأمة .
وأكد الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية ( الصوفية) عن تأييده لدعوة تنقية البخاري واعتباره كتابا به أخطاء وبحاجة إلى تنقية من جديد .
وقال :إن البخاري لا يمكن أن نقول عنه أنه كتاب خطأ ولكن ما نقوله أن به أحاديث لا تتعدى عشر أحاديث لا يمكن أن تنسب للرسول صلى الله عليه وسلم"
وبين أنه من المفترض أن يقوم على هذه التنقية أساتذة الحديث، وأن تكون هناك كتبا تجمع بين أصح الأحاديث في البخاري ومسلم ضاربا مثلا بكتاب محمد فريد عبد الباقي، الذي صدر بعنوان "ما اتفق عليه الشيخان مسلم والبخاري".
وحول رفض الحديث عن التشكيك في البخاري من غير المتخصصين قال أبو العزائم : "نحن نتحدث بشكل منطقي، ويبقى على المتخصصين البحث العلمي في هذا الأمر"
وفي المقابل شن قادة جماعة أنصار السنة ـ المتحدث الرسمي باسم السلفية في مصرـ هجوما حادا علي الدعاوي التي تطالب بتصحيح البخاري، وأكد الشيخ علي حشيش مدير إدارة الدعوة بأنصار السنة :أن االمشككين في البخاري خطر على مجتمعات أهل السنة ولا يعلمون شيئا عن أمور الدين"، مطالبا بأن تكون هذه الأمور للمتخصصين في الحديث وذلك لتخصصهم في هذا عن غيرهم من أصحاب الدعوي فقط.
وأشار إلي أن الإمام البخاري كان له أكثر من ألف معلم ما بين مصر والكوفة وبغداد وغيرها من الدول الإسلامية، والطعن فيه هو طعن في جيل الفقهاء بافترائهم عليه.