ريــم العيـساوي
عدد المساهمات : 33 نقاط : 85 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/06/2010
| موضوع: جدلية النور والظلام في ديوان ( المرايا ليست هي ) للشاعرة صالحة غابش - ريم العيساوي الجمعة يونيو 18, 2010 9:49 pm | |
| جدلية النور والظلام ي مجموعة صالحة غابش الشعرية "المرايا ليست هي"إن الوعي الجمالي في الأدب انطلقت منه الحداثة الشعرية العربية حتى صار يشكل قيمة من قيمها الجديدة ، إلا أن هذا الجمال لم يراع في النقد الأدبي المعاصر وفي الإجابة عما هو أساسي وجوهري في هذه الحداثة . ورغم أن النقد الحديث لم يترك أي ظاهرة من ظواهر الحداثة الشعرية دون معالجة وتحليل إذ إن عنايته بما هو جمالي عامة ، بقي أقل من الاهتمامات الأخرى "ومن مظاهر قلة عناية هذا النقد بعلم الجمال تنظيراَ وتطبيقا عدم الربط بين الظاهرة الشكلية وأساسها الجمالي أو تغيير الجزئيات إلى كليات واللافت هو غياب التحليل النقدي لعلاقة ظاهرة الحداثة بالظاهرة الجمالية عامة والوعي الجمالي خاصة (1).وكل ما أفرزه النقد من مقاربات هو أن ثمة ذوقا جمالياَ جديدا َ راح يتبلور عربياَ أو أن تغييراَ ما قد طرأ على طبيعة الاستيعاب الجمالي في الإبداع والتلقي ، وأن الشعر الحديث ذو بنية جمالية مغايرة ومختلفة عن الشعر العربي القديم ولكن ما طبيعة هذا الذوق الجديد أو البنية الجديدة ؟ إن الفن بوصفة أعلى أشكال تملك الواقع بحسب مقاييس جمالية إنما هو إنتاج الوعي الجمالي في نمط من أنماطه التاريخية .إن الوعي الجمالي الحداثي، هو أحد تلك الصور الذهنية التي راحت تتشكل في المجتمع العربي المعاصر بفعل المستجدات المتعددة التي برزت منذ أوائل القرن العشرين ،ولا شك في أنه لا يجوز الفصل بين الوعي الجمالي والمستويات الفنية الأخرى إذ لا يمكن استقراؤه من دونها فهي الدلائل عليه أو هي صورته المجسدة . ويمكن تعريف الوعي الجمالي بأنه الوعي الذي يتناول الظواهر والأشياء من خلال سماتها الحسية وأثرها في الطبيعة النفسية والروحية للمتلقي (2) فهي المقاييس الجمالية الثابتة التي تشكل مضمونه القيمي .ولعل التجادلية وهي المشاركة وتبادل التأثير والتفاعل سمة جوهرية من سمات الوعي الجمالي الحداثي ولعلها السمة الأكثر ظهورا فنيا وجمالياَ ، فلا يكاد يخلو نص شعري حداثي منها سواء على صعيد البنية الفنية العامة أو على صعيد البنية الإيقاعية أو التصويرية أو على صعيد القيم الجمالية المطروحة . وكما هو معروف فإن هذه السمة تحيل إلى فهم العالم والوجود الإنساني من منظور التناقض وتبادل التأثير فيما بين الظواهر والأشياء والعناصر، فليس ثمة شيء يمكن أن يوجد أو يستمر أو يموت بمعزل عن عناصر إمكانية استقلال الظواهر والأشياء بعضها عن البعض الآخر، ويؤيد وجودها القائم على التناقض والصراع وتبادل التأثير. إن كل شيء ينبغي أن يؤخذ في تجادله مع الأشياء الأخرى من دون إغفال التميز الذاتي الخاص به ، هذه هي الخلفية الفلسفية للوعي الجمالي الحداثي، حيث صار هذا الوعي يتسم بآلية ذهنية تجادليه ترى العالم في وحدته القائمة على التناقض والصراع ،لا على التكامل والتناظر كما هو في الوعي الجمالي الكلاسيكي العربي الذي تمثل التكاملية الميتافيزيقية سمته الجوهرية . وأساس الاختلاف بين الوعي الحداثي والكلاسيكي على المستوى الفلسفي الجمالي يكمن في أن الأول يعي العالم في تناقضه وتجادله على حين أن الثاني يعيه في تكامله وتناظره ، وقد أدى هذه الاختلاف إلى افتراق الوعي الحداثي عن الكلاسيكي على صعيد النظرة إلى الجمال .إن بنية القصيدة من منظور جدلي هي شبكة من التفاعلات التي تتكامل، لتحول اللغة بمعناها الواسع إلى بنية معقدة تجسد البنية الدلالية تجسيداَ لرؤية شعرية تنبع عناصرها ومعانيها وخصائصها من طبيعة العلاقات التي فرضت اختيارها والتي تشدها إلى العناصر الأخرى . وتختفي تحت هذه التفاعلية جدلية عميقة هي التي تؤسس المعنى . هذه العلاقات تمثل ثنائيات قد تبنى على التضاد المطلق ، وقد تبنى على التماهي والانسجام . وباكتشاف هذه العلاقات قد نصل إلى هوية النص المتفردة ،واكتشاف الفاعلية الشعرية بما هي فاعلية رؤيوية تنبع من الفكر المرتبط بالواقع التاريخي . وباكتشاف العلاقات الضدية للأشياء والجدلية التي تتخللها نصل إلى مستوى من العمق الذي لا يقف عند الظاهرة الفنية ، بل ينفذ إلى مكوناتها ويكشف بناها الضدية ، فتدرك الصورة الشعرية في أجلى تفاصيلها وقدرتها على التوهج الإبداعي .إن فهم بنية ما بكل تعقيداتها في قصيدة ما هو فهم لجوهر الشعر كله . وإن مجموعة المرايا ليست هي للشاعرة صالحة غابش تستجيب لهذه النظرية لما يحمله العنوان من كثافة دلالية تثير في المتقبل قلق الأسئلة منطلقها قيامه على ثنائية رئيسة بين النور والظلام .فما رمزية الضوء ؟ وما رمزية الظلام ؟ إنّ القصائد تدور في فضاء يتجاذبه قطبان متقابلان ،هما النور والظلام : "إن كلمة مرآة ترمز إلى البعد المعرفي في التجربة الإنسانية وتوازي العملية التي ينعكس بها العالم في العقل ، أو العملية التي يتمثل بها العقل العالم ، وبقدر ما تتحول المرآة مع هذه الدلالة لتقترن بالتعريف والوعي ، فإن وجودها المادي بوصفها عاكسا يعكس صورتنا يجعلنا نرى أنفسنا، فيتسع وعينا بأنفسنا . وبقدر ما نتحول في مواجهة هذه المرآة إلى ناظر ومنظور إليه ، ومتأمل ومتأمل فيه ، وذات و موضوع نتجاوز الوعي المنغلق على نفسه إلى الوعي المنفتح على غيره ،وبقدر ما تلعب المرآة دورها في تعرف الذات إلى نفسها بنفسها فهي تلعب الدور نفسه بتعرف الذات إلى نفسها من خلال غيرها "(2 ) .فالمرآة ذات دلالات مكثفة فهي الانفتاح وهي التبصر، وهي التواصل وهي المعرفة الكلية ، وهي التأمل والانعكاس ، وهي التعمق في الداخل وفي الجزئيات. وكل إنسان يرى نفسه في نفس صاحبه كما في المرآة ، فالعيون مرايا والمرايا عيون ، والعيون مرايا حساسة شاعرة تفصح عما في الوجدان. والمرآة ذاكرة ترسخ الصورة المنعكسة لحظة انعكاسها وتدخرها في الذاكرة، ولعل مرآة الذاكرة تعني دلالة ترتبط بالنشاط العقلي للإنسان في تعرفه إلى نفسه وإلى العالم وترتبط هذه الدلالة بما يقوله المتفلسفة من أن المعرفة هي تمثيل دقيق لما يقع خارج العقل . وأن فهم طبيعة هذه المعرفة لا يتم إلا بفهم الطريقة التي يبني بها العقل تمثله للأشياء ، وبقدر ما يبدو العقل أشبه بمرآة ينعكس عليها العالم عن طريق الذاكرة ، يبدو العالم وكأنه مرآة يتعرف فيها العقل نفسه .(3)فماذا تقصد الشاعرة بالمرايا ؟ أفي وجودها وعدم وجودها انكسار ؟ أم فناء وموت ؟ وتتولد العديد من الأسئلة ، وكأني بالعنوان يتحرك في فضاء يتصور الوجود ثنائيا ، فيه البقاء وفيه الفناء . وهذه الكينونة للوجود هي رؤية لواقع متوتر زائف حاد منكسر ، واقع مشدود إلى وضعيتين متقابلتين .وتقاطعهما يعمق مأساويةَ الرؤية و دراميتها (ستتضح هذه المعاني في قصيدة مرثية قلب) هكذا يومئ العنوان إلى رؤية في إطار الثنائية الضدية المطلقة هي صورة الوجود الفناء أو الحياة الموت . تصور لقدر الإنسان المحتوم وللمنزلة البشرية ومصيرها . وتنشأ حركة المرايا في العنوان على جملة اسمية بسكونيتها ودلالتها على اللحظة الحاضرة الثابتة . والعنوان جملة قصيرة بسيطة ولكن رغم بساطتها تخفي وراءها تعقيدا دلاليا عميقا ، ينبع من غموض العلاقة وتعدد معانيها. فالمرايا في العنوان مستعصية على التحديد ، ويمكننا أن نستوحي دلالتها من المستوى اللغوي . المرايا جسم أملس ذو طبيعة فيزيائية حادة وقاسية عاكسة للنور المتجه إليه من العناصر الخارجية ،والمرايا اصطلاحا كل شيء نرى فيه الحقائق دون تزييف أو هي الحقائق ذاتها .هل قصدت الشاعرة هذا المعنى تلميحاَ ؟ إن الوجود لم يعد يعكس الأشياء والأحداث على حقيقتها ؟ وهنا تتولد ثنائية أخرى هي ثنائية الواقع والخيال ويعمق هذا التصور الثنائي بعدا آخر على مستوى اللغة هو البنية الصوتية إذ تتناوس البنى الصوتية بين قطبي الثقل والخفة .أل | م | را | يا | لي | ست | ه | يا | = ثقل + خفة وأبرز تجل لهذه البنية الصوتية إطلاق حرف الياء الممدودة مرتين (يا) يوحى بتوق الخلاص من الثقل والخروج من دائرته .أليس هذا إيماء إلى الانعتاق من واقع مثقل ، ومحاولة الخلاص من وطأته ؟ محاولة التجاوز من منطقة الظلام إلى منطقة النور ؟ "المرايا ليست هي " عنوان للمجموعة مأخوذ من قصيدة مرثية قلب وهي أطول قصيدة وآخر قصيدة في المجموعة ، جاءت العبارة الوجوه وجوهنا / المرايا ليست هي / وهذه التجاعيد | نقشتها شظايا مرآة كبيرة | صرخت حين ألقى عليها طفل صامت حجره ثم مضى (ص101).مع الملاحظة أن المرايا تواجدت في بعض القصائد الأخرى : "وجهك مرآة الطيور العاشقة" (قصيدة : وجهك) "وجهك يرتب معركة ضد كل المرايا " (قصيدة : رسالة إلى البوسنة) وفي مرايا كسر الحزن زوايا الشمس فيها (قصيدة : شاعرتان ) "تغيب ملامحه في مرايا النهار " (قصيدة : مسافرة على خطوط منسية) .وحدها الصحراء مرآتي ومنديلي (قصيدة : عطش القمح ) أتزين أمام المرآة (قصيدة : فرح)يتضمن الديوان خمسا وعشرين قصيدة تمتد على مائة وخمس صفحات تمسح تواريخ القصائد ثلاث سنوات : 1993م : 10 قصائد ,1994م : 8 قصائد طبعت المجموعة سنة 1997م عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات . إن التكرار الملح واللافت لكلمة "مرآة" في الديوان يجعل الكلمة دالاَ بالغ الأهمية في سياقاتها ، مما يفضي إلى مجموعة من المعاني الثواني والثوالث وبتتبع سياقات الكلمة والوظائف الدلالية التي يؤديها تعاودها وصورة ترابطها بالقصائد نضع الأصبع على عناصر الرؤية الشعرية لدى الشاعرة. واللافت للانتباه أن الإهداء عند صالحة غابش يمثل خروجا على المألوف واختلافا عن الإهداء في ديوانها الأول "بانتظار الشمس" والذي صدر سنة 1992م وقد أهدته إلى والديها . بينما وجدت في مجموعة "المرايا ليست هي" الإهداء سبيلا لا تجرؤ عليه . أهذا يعني أن لا أحد يستحق إبداعها ؟ أم يعني أنها تهيبت من الإهداء . لما له من دلالة خاصة ؟ هذا وقد أهدت قصيدتها الأولى (تفصيلا لا إجمالا) إلى صديقتها حصة العسيلي . فإلى أي حد حازت هذا التخصيص الذي لم يحظ به غيرها ؟ هل جعلت صديقتها حصة رمزاَ إلى بعض المعاني ؟ ألا تمثل حصة العسيلي صورة الإنسان الراحل دائما نحو السعي والتغيير ؟ ألا يرتبط الإهداء بما اكتشفناه في العنوان ظمأ الإنسان للتخلص من الجمود والانعتاق من وطأة الزمان والمكان وكل ما يكبلنا من عادات وتقاليد ويخرجنا إلى بؤرة الضوء ويعتقنا من قيد الظلام . يمثل الإهداء قطبا آخر تحتله الشاعرة الأديبة جميلة العجوري أهدت إليها قصيدة "شاعرتان" والعجوري لها ديوان بعنوان "هكذا أنا" تعرفت إليها الشاعرة صالحة غابش سنة 1994م وربطتهما صداقة إبداعية إنسانية دخلت الشاعرة جميلة العجوري قفص الزوجية فانطفأ عندها ضوء الشعر. ألا يمثل الإهداء إلى شخصيتين نسائيتين تقابلا بين واقعين مختلفين ؟ وإذا وجدت صالحة الإهداء التقليدي لا تجرؤ عليه فهي قد أهدت قهوتها إلى الحادي و " رسالة في مدينة تحتضر" إلى البوسنة .إن مجموعة "المرايا ليست هي" لم يطرحه الإهداء من جدل نحاول الخلاص من السائد وتبحث عن صيغة للتعبير عن معنى جديد للإبداع والإهداء خيط من الضوء يوحي بأحد المضامين الرئيسة في الديوان وهو قضية الأنثى ومنزلتها في الحياة ومكانتها في عالم الإبداع وموقفها من قضايا السلم والاستشهاد والأصالة .في قصيدة "مقهى آخر"لنساء الضوء المقهى الآخر / يتربع كرسي الموج الآتي / بدفاترهن إلى الساحل / وهنا تاريخ / نبه كل عناوين القصص / المحكية فوق موائدها / سكتت .. ليغني لامرأة جمعت / كثبان الصحراء العطشى / في كفيها / للغيم الراقد في أحداق قصائدنا / في مقهانا أمرأى أخرى / تسترخي الأوتار الشرقية / في سمرتها / والعازف يبحث عن كفيها / في تصفيف ينعشه / حكواتيه / لازالت تقرأ في ورق الضوء المتدلي / من غافتها كل كتاب / إلا فنجان القهوة / لأناس يرتحلون إلى مدن لا توصد باباَ أو نافذة / إن جاء الحب على خيل / يتوقف عند المقهى كل مساء / كي يكتب في كراسته ما تخبره / للشعر نساء .هذه القصيدة مهداة إلى صديقتها حصة العسيلي تصور الشاعرة مجموعة من النساء هن نساء الضوء تقرأ أحداهن في ورق الضوء المتدلي ويمثل المكان المقهى الآخر نقطة مضيئة في التاريخ لحظة تيقظ هاجس الحكي لنساء الضوء المقهى الآخر مطلع تنفتح به القصيدة على بؤرة من الضوء تغلف المكان إنه فجر شهر زادت يلف بنوره المقهى ويومئ إلى زمن حكاياتها الخالدة عبر التاريخ (سكتت) عبارة تستلهم التراث المحكي استلهاما إيحائيا للربط بين شهرزاد الماضي وشهرزادات المقهى الآخر له من صفات المخالفة و الخروج على السائد ما يوحى بالتفرد والوحدة وهذه الوحدة غير منغلقة بل تعانق الموج الموج والساحل والصحراء والبحر والمدن وهي وحدة تلتقي مع الحياة وتلامس كل عناصرها فتولد الإبداع والموهبة ودة توحد والمقهى الآخر مكان من نور يستمد نوره من ضوء النساء الملهمات ينفتح على الماضي وعلى الآتي ويتخلص من قيود الزمان .إن المقهى منطقة توهج تجد فيه الأنثى نافذة على الحياة وعلى الحرية والمكان بشفافيته يكسب الإبداع إشراقه صوفية تبقى فيها المرأة في التحام مع الكون التحاما صوفيا . تتحقق فيه ولادة العبارة المشرقة أو القصيدة المضيئة .قصيدة "إليك قهوتي"من أين جئت / كيف مزقت يداك خيمتي / كيف صار العشب حولي شاطئا من ياسمين / كيف قلبت صفحة اللغات كلها / ثم اقتحمت أبجديتي / ترمي بأحجار المفاجأة / وحدتي المعلقة / بين انحناءات النخيل / تكسر الربابة الحزينة / وتبعث الحداء في عباءة الظغينة / مازالت يا رفيق / امرأة تعشق في الصحراء بسمة القمر / واحدة من النساء / يخرجن من خيامهن في حذر / خوفا من المدينة المعبأة / بالرمل والأفواه والظنون / واندهاشه الحضر / يا حاديا تردد الرحيل في حداثه / إليك قهوتي / ضياء وجه امرأة يلتف في / دخانها / يخط مرها ملامحي / أخل مضاربي / وأبق لي خيوطا / لعلني أنظم فوق خيمتي التي استبحتها ستائر الرجز / وموقدي المحفوف بالشتاء ينتظر / أن تتنحى خطواتك عن مسار القافلة / يا حادي الرحيل / مازلت قرب موقد الشتاء انتظر .في هذه القصيدة تهدى الشاعرة قهوتها إلى الحادي وفيها تحضر الشاعرة من التراث صورة الحادي من يسوق الإبل ويحثها على السير بالحداء أي يغني لها . وترمز به إلى الأصالة والبداوة .هذا الموروث تستحضره الشاعرة وتعيد توظيفه للتعبير عن مفهوم التواصل أو التجذر في القيم العربية الأصيلة والقهوة عنصر ثابت وهو بمثابة الخيط الرابط بين الماضي والحاضر تبدو الشاعرة مشدودة إلى الجذور تحيا الحرية بشكل رومانسي (تعشق القمر) وتبدو مشدودة في خوفها من الخروج على تقاليدها تهاب المدينة لما فيها من دهشة القصيدة تخلد العناصر الثابتة في جذور الشاعرة وغن المدنية بسطوتها تبقى عاجزة عن محو العناصر الجوهرية في القيم الخالدة .الحادي هو رمز كل العناصر التراثية التي تبقى في المجتمع المتجذر وتنبئ القصيدة بعض الشاعرة للصحراء في صفوفها وامتدادها ويأتي إيقاع بمثل الابتهالات لان الحبيب هو صورة الوجود الكل المطلق هو صورة الحياة في بدايتها الخالية من زيف المدينة .قصيدة "رسائل إلى مدينة تحتضر" إلى البوسنة دعونا نموت / دعوا السيف فوق الجدار / يرتب معركة ضد كل المرايا / لتلمع فيه وسامتكم / دعوا الشعر في بيت خلوتكم / يستدير إلى حيثما / تستدير / يراقب قهوتها / حين ترشفها في المساء / ويرفع ذيل فساتينها خائفا / من دعابة طين ثقيلة / ويحكي لها قبل نوم / روايات فرساننا / وكيف جرى الضوء خلف خيول / تخبئ أعينهم في / كهوف الكساد / دعونا نموت / ولا تتباكوا وأنتم تغنون في حفلات العشاء / ولا تحزنوا حين تلتحفون / بذاكرة أهدرت / كل دفء على طرقات الشتاء / ولا تهجروا سهرة / قد تواسي رؤوسكم المتعبة / قدم عنا بيان اعتذار / يصوغ عباراته / عبث الكأس والرقص / حمى الغناء / سنستر عوراتكم بالهواء الذي نرتديه / سنخرج من صف كل الحفاة / لننتعل الكلمات التي لم تقل / أي شيء لنا وننوه / سنخفي عن الناس أخبارنا / في منابركم / بين أوراق تاريخكم / دعونا نمر/ تماما كمثل ضمير إذ مات / مات .إنها دعوة إلى الاستشهاد الجماعي واستحضار الشجاعة والبطولة العربية الإسلامية .قصيدة ذات إيقاع رثائي للواقع المؤلم الذي ينغص كون الشاعرة لما فيه من تناقضات قصيدة فيها ضرب من المحاكمة للذات واشارت إلى تاريخ انهيارات العرب والإسلام وأسبابها (الخمرة الرقص الغناء ) تبدو الشاعرة متشائمة إلى حد الاستسلام واختيار سبيل الاستشهاد بصورة جماعية ولعلها في هذا الموت الخلاص تمحو العار .في القصيدة إيحاء بوظيفة الشعر التاريخية تخليد البطولات يحكي روايات فرساننا .قصيدة "انكسار مهرة" في قريتي اسطبل خيل جامحة / تبعث في صهيلها رسائل الرياح / تحرث الهواء كي / تزرع صوت للبلابل / التي تلجأ في كل موسم / إلى الغصون والغناء / سلمني السائس يوما مهرة وقال لي : / الآن أنت فارسة / وصاغ لي من قلبه لجاما/ حذرني من الجموح فوق أوراق الشجر / فإنها يقول لي مسكونة بالريح والخريف / حذرني من التسلق الشقي فوق أسوار القمر / فخلفه تكمن في وداعه / محرقة المداهمات المعتمة / وينزوي النهار في مخابئ القتامة / يفاجئ الشوارع التي / ترقد في مظلة البيوت والمطر / حذرني أن ألمس الغمامة / وبعد أن حذرني ناولني لجامة / أطلقت مهرتي / وقلب سائس الخيول في يدي / يركض من حولي قطيع من قناديل / ترهف سمعها إلى ترنيمة الرحيل / لما رآني أفقنا المطلي بالغروب أمتطي / صداقة القناديل / دعاني للدخول في الكتابة المضيئة / من قبل أن تغلق أبواب الشفق / رأيتها / كالدرج الأخضر يرقص النسيم / في ارتقائه / وتسحب الزهور من فوقه ثيابا ملكية العطور والألق / مسكونة بنفحة المساء والربيع / تسلقتها مهرتي / والضوء تلو الضوء جسر يحترق / وفي تمام الساعة المعلقة / على الوجوه المرهفة / كان الدجى يرسم لوحة القمر / في حائط السماء / بريشة اشتياقه إلى اغتسال في / جداول الضياء / أطلت من وراء سوره / أميرة تنام في وداعة / تنتظر الصباح يطبع الحياة في / جبينها الملائكي / دخلت قريتي / كانت على وسادة المساء تتكئ / وساوس مضطربة / يرمقني معاتبا ويبكي / كتبت في دمعته الرسالة الأخيرة / ألبسني النهار صيفه / فسافرت فصوله معي إلى / الورود والقمر / وها أنا / إلى شتائك الجميل من جديد / انكسر ...هذه القصيدة تستند فيها الشاعرة إلى الاستعارات اللغوية لتصور توق الأنثى إلى الحرية والحياة وفي القصيدة تأكيد على أن ضوء الشعر ونور الكلمة لا يتحقق إلا بالخلاص من القيود وتحقيق علام التسامي قصيدة ذات إشراقات صوفية بما تملكه من توهج وحرارة إبداع يتحقق الإبداع بالدخول في عالم اللا محدود والقصيدة المضيئة تحتاج إلى خرج على المألوف حتى تحقق الدهشة والرحيل في عالم صالحة غابش هو الوسيلة والمطية إلى ينابيع الشعر المستحيلة عالم القصيدة عالم صوفي يتلو فيه الضوء تلو الضوء وهنا تتأكد الجدلية الرئيسية المستوحاة من العنوان : أو تنعكس المرايا وتتوزع أشبه بالإشراقات الصوفية .عالم تتلاقى فيه العناصر في علاقتها الضدية .أسوار القمر × المداهمات المعتمة .النهار × في الدجى , القتامة × القمر , الصباح × المساء , الصيف × الشتاء .جملة من الثنائيات تحلق فيه القصيدة لتقوي فيها عنصر الدراما وعبارة العنوان انكسار مهرة تشير إليها إنه انشطار الذات بين الجمود والجموح بين السكون والحركة بين الهبوط والتسامي إن الصورة عالم من السحر والدهشة والتحفز .إن القصيدة تعبر عن شوق الذات إلى التطهر في جداول الضياء والقصيدة تسمو بالذات المبدعة فوق ذؤابات السماء فوق أسوار القمر عالم ضوء والسائس يحذر من هذا العلو لما فيه من عتمة "خلفه تكمن محرقة المداهمات المعتمة والرحيل في المطلق تعبير عن البحث لمحطات إبداعية مضيئة وترسم الشاعرة عالم الإلهام الشعري رسما فينا تتلاقى فيه الألوان والأنغام والكلمة والروائح كل الحواس تتناغم مع المطلق لتؤسس للعشر مملكة الورود والقمر .واستعانت الشاعرة في هذه القصيدة بأساليب القصة وتوفرت بعض عناصرها : كالمكان والزمان والشخوص والحوار والعقدة والانفراج وبهذه الصورة بينت القدرة على تذويب القطيعة بين الأجناس الأدبية كما تنحت لصورة الفروسية في عالم رومانسي تنوعت فيه عناصر الجمال وتراءت شيئا مبهرا يوحي بقدرة الله على الخلق .مرثية قلب : بكائية عميقة مغلفة بالحزن والألم ترثى فيها الشاعرة واقعا مصابا بتخمة القلق عالم تعطلت فيه الحركة وانكسرت الوسائل وانقطعت فيه السبل فتحول إلى حطام من وحشة وفراغ يوحى بأحاسيس الخوف والانكسار .مرثية لعالم فقد ملامحه واضمحلت معالمه البشرية والعمرانية , تعطلت فيه اللغة الوجوه وجوهنا والمرايا ليست هي / وهذه التجاعيد نقشتها شظايا مرآة كبيرة / صرخت حين ألقى عليها / طفل صامت حجره / ثم مضى .عالم فيه صدمة وعي قاس , صدمة تدفع المرء إلى الإنغلاق عالم لم تعد المرآة فيه دالة على شيء تحول الجمال إلى القبح والوجود إلى تلاش وهنا تبدو المرآة عنصراَ إيجابيا يرتبط بالحياة ويمكن من الاتصال والاستمرار .تصور القصيدة عالما تحول إلى عبثية وفوضى واندثرت فيه الحياة وتلمح الشاعرة إلى هزيمة جعلت النفس منشطرة بين المواجهة والصمود وبين الصبر على البكاء والبكاء تزق بين الشجاعة والجبن إنها أزمة الذات الواعية بواقعها المؤلم , بواقعها الإنساني وبواقعها الوطني في هذا الواقع لم تعد اللغة قادرة على وظيفتها لأن الحزن لف الكبير والصغير ولم يعد للشعر مكان (خاو هذا العالم يا صديقي / لا مكان فيه لشاعر ) .غربة الإنسان وغربة المبدع في عالم من ضياع يدفع إلى الهروب وإلى الخيال هروبا من ثورة الثلج وبحثا عن دفء الروح إنه عالم تغيب فيه القيم من جمال ومحبة وأمل وإلهام ويحيا الفرد فيه على اليأس (متى نتمكن من زراعة الورود في الجدران ) .سؤال يوحي بمرارة الغربة وبصورة انفعالية تعود بنا الشاعرة إلى أجواء القصائد الرومانسية الملتزمة (أخاو هذا العالم ) جملة لازمة ذات إيقاع بكائي تكثف المأساة بمثابة الندبة إنها قصيدة بكاء الذات المسكونة بالوجع الإنساني وهمومه .إن مجموعة المرايا ليست هي تجربة ذات خصوصية في التعبير عن عشق الإبداع حتى الذوبان فيه وفي التعبير عن غربة الذات المسيجة بالألم والمسكونة بالشوق إلى التحليق في المطلق والانتشاء في فضائه على صورة المتصوفة إنها حالة من الصفاء[1] وإحساس شعري شديد يطرح جدلا مكثفا بين النور والظلام بين البقاء والفناء بين اللاوعي والوعي بين الأمل واليأس إلى غيرها من الثنائيات العديدة وما يرسخ هذا الإحساس ويؤصله التواصل مع الثوابت التراثية مثل الصحراء والقهوة والحادي والخيمة .[1] وعي الحداثة .. دراسات جمالية في الحداثة الشعرية د. سعد الدين كلبيب 1997م , ص 262 المرج السابق ص 27 3 د. جابر عصفور المرايا المتجاورة د. في نقد طه حسين ص 29 | |
|