[center]إشكالية المرأة في الثقافة الفحولية[/center]
قد يطرح السؤال نفسه حول إذا كان هناك بالفعل إشكالية تدور حول المرأة والكتابة ، المرأة والفحولة ، المرأة والفكر ، المرأة والعقل ، وهل بالفعل نحن أمام ثنائيات حقيقية أنتجتها الطبيعة أم أننا أمام إشكاليات مصطنعة أنتجتها الثقافة الفحولية ؟ ، وهل المرأة حقاً هامش لا يمكن أن يصل إلى المركز (الفحل) وتمارس حقها أم لا ؟ .
وخلافاً لكل تلك الأسئلة التي ربما نحصرها ضمن إشكاليات تقليدية مضى عليها قرون ، إلا يجدر بنا إن نسأل حول ما إذا كانت المرأة تملك حقها فعلاً في ممارسة دورها دون إعاقات نسقيه فحولية ونحن في هذا العصر .
كل هذه الأسئلة وغيرها تستدرجنا للكلام عن المرأة والفكر وعن العلاقة التي تربط المرأة بالكلمة واللغة التي هي في ثقافة الفحل ممتلك خاص لا يحق للمرأة اقتنائه ، فالفحل يمارس فحولته على اللغة ويتوهم امتلاكها لكون اللغة أنثى ، والأنثى هي إحدى محظيات الرجل الشرقي ، الذي اعتاد على أن تكون فحولته وقوته مرادفاً لضعف المرأة وهامشيتها ، طبعاً ليس الرجل هنا هو بصورته الفردية من أنتج هذه النظرة الدونية والفحولية تجاه المرأة ، ولكنه نسج من الممارسة النسقية منذ عصر القرون الوسطى إلى عصرنا هذا بخلق ذرائع النقد الجمالي ومن ثم التصنيف الجنوسي ، فكل الحكايات وكل المرويات لا تكف عن تصنيف المرأة واختزالها في جسد شبقي ومثير غرائزي لا تمارس حقها في الحياة إلا للحفاظ على سلالة الفحل وبقاءه ، فالمرأة ولود وحلوب ، ومتعة ونزهة على حد تعبير النفراوي ، الذي يرى المرأة جسد لا تتحقق أنوثته إلا بتعظيم فحولة الرجل وطغيانها ، فالمرأة ملهمة لشاعر ولهان ، ولراوي لا تخلو رواياته أو قصصه من حكاية امرأة تتوسل الذكر أن يرحم أنوثتها بممارسة فحولته .
ليس هذا فقط ، فكل ما يصل لنا عبر الثقافة الفحولية هو نص مزيف لا يعرض الحقيقة بقدر ما يحكي لنا النص الذكوري بآليات واستراتيجيات شركات ومؤسسات الإعلان والتوزيع عبر أغلفة المجلات أو الإعلانات التلفزيونية والأغاني المصورة .
الصورة الظاهرة هي أن المرأة توظف في عملية التسويق لجمالها ولحسنها ولرقتها وأناقتها ، وهنا تخدع المرأة نفسها بقبول هذه التبريرات وممارسة عملية التسويق بموافقتها الشخصية ، ويتحايل الذكر على عصر التقدم ، هذا العصر الذي يدعي امتلاك المرأة حقوقها وأنها النصف الآخر للمجتمع ليمارس فحولته ويكشف عن نسقيته ونظرته الدونية للمرأة بجعلها سلعة للاستهلاك الذكوري وبتوظيف ملكات الأنوثة التي لا يرى الرجل امرأة من دونها (الجسد) و(الإثارة) كمرادفات للمرأة ومكثفات للمعنى ، فهي مستحيل أن تكون اللفظ بل دوماً هي المعنى الذي يصنعه ويعنيه الرجل . ولكن لنعود (للجسد والإثارة) اللذان يتخللان كل ما نشاهده حالياً في كل الصور المرئية والمسموعة التي تروج لامرأة عصرية ليس فيها سوى محاولة جديدة وأكثر فحولية تصادر المرأة (العقل) والمرأة (الفكر) ، وتزيد في تهميشها ، فبالرغم من ثراء الساحة الأدبية والفكرية بأقلام وعقول نسائية تصب في دائرة الإبداع والعطاء عبر الخلق البنّاء في مجالات الفكر والأدب فإننا لا نسمع صوتاً واحداً لهؤلاء النسوة ، فكل ما يصل إلينا هو نماذج للمرأة المفرّغة ، المرأة الجسد .
ولكن ما دمنا الآن تجاوزنا عصر القرون الوسطى وعصر الجواري وما دامت المرأة العصرية ذات تفرض نفسها عبر مشاكسة اللغة ومحاورة الفكر ، لماذا ما زلنا نعيد رسم الماضي بصورة الحاضر المعدّل عبر علميات التجميل المؤقتة والفاشلة التي تزول آثارها مع أول احتكاك فعلي مع الواقع ؟ ، لماذا سوى إننا ما زلنا نجتر من ذاكرة الفحولة ما نؤسس عليه حاضرنا ونبني عليه مستقبلنا ، لماذا سوى لأن الرجل ومهما ادعى ابتعاده عن ذاكرة الفحولة التي تربّى عليها يجد نفسه لا يتحرك إلا وفق منطق الفحل ، لماذا سوى لأننا وخاصة في المجتمعات العربية ما زلنا مجتمعات فحولية تقليدية لم تعش بعد تجربة الحداثة الفكرية التي تزلزل رو اسبنا وقناعتنا وتفكك أصنامنا الفكرية المغذية لعقولنا والمنتجة لذواتنا .
أخيرا ، نحن هنا لا نروم إجترار ما هو مستهلك ولا نهدف قول ما تم قوله ولكن ننشد إضاءة الواقع الذي نعيش ، فالواقع الحالي يسرد لنا حكاية مزيفة ولكنها في العمق تكشف عن جدلية أزلية وهي مركزية الرجل وهامشية المرأة ، ولكن عبر صور نسقيه مبهمة لا يقرأها سوى من يبحث في أركيولوجيا الواقع .
[b]